قد تقولون في أنفسكم: “كيف تتوقعين منا أن نأخذ أي تدابير من تلك التي ذكرتها في المقالات السابقة، في الوقت الذي تتمحور فيه حياتنا اليوم حول الخوف الدائم والقلق؟” ما من أحد يستطيع أن ينكر بأنه عند حدوث تغيير جذري في الحياة، كالمرض على سبيل المثال، يتأتى عنه الكثير من الخوف والقلق.
لا يمكن لأحد أن يدّعي بأنه يفهم شعوركم ولهذا السبب تحديداً، ما من أحد قادر على القيام بالكثير من الأمور باستثنائكم أنتم.
وفي هذه الحالة أيضاً، الخيار بين أيديكم: سواء العيش في خوف دائم أو العيش بالرغم من الخوف.
فلنستهل حديثنا بتدوين المخاوف التي تسبّب لكم القلق. فعلى سبيل المثال، أنتم تخشون:
– الموت
– الألم
– عدم القدرة على تأمين كلفة العلاج
– اضطرار أولادكم للتأقلم مع مرضكم أو مع غيابكم
– شفقة الناس عليكم
– سواها من المخاوف الخاصة بكم
كلّ هذه المخاوف التي ذكرناها مشروعة وواقعية، ولا يستطيع أي شخص أن ينكرها. ومن هنا، فإن أفضل الأسلحة لمواجهة هذه المخاوف هي المعرفة والموقف الإيجابي. فنحن نخاف ممّا نجهل وممّا لا نفهم.
الخوف من الموت
قبل أن يتمّ تشخيصكم بالمرض، لم تكونوا تخشون الموت، بالرغم من أن الموت كان احتمالاً قائماً تماماً كما هي عليه الحال الآن. إلا أنكم اليوم، لا تنفكّون تذكرون أنفسكم به من خلال مرضكم.
لذا، فلنبحث عن معلومات حول نسب البقاء على الحياة. فبفضل تطوّر الطب، بات الشفاء يقارب نسب المئة في المئة في عدد كبير من الحالات. لذا، اسعوا إلى تحقيق ذلك.
فلنأخذ مثالاً صعباً ولنتحدث عن شخص يعاني من مرض مميت، وقد بات موته وشيكاً، ولم يعد يملك سوى بضعة أشهر. يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يرفضوا فكرة الموت ويبقوا تعساء أو يمكنهم الاستفادة من الوقت المتبقّي لهم ليحلوا المسائل العالقة وتنظيم أمور أملاكهم وشؤون منزلهم.
في بعض الأحيان، تكون معرفة موعد الموت نعمة، متنكرة بزي نقمة. فيحظى هؤلاء الأشخاص بالفرصة لترتيب الأمور التي يتركونها وراءهم، والقيام بالأمور التي لطالما أرادوا القيام بها ولكن لم تسنح لهم الفرصة لذلك، ووداع الأشخاص الذين يحبونهم، وترك ذكريات جميلة لهم.
يغادر هؤلاء الأشخاص الحياة بعد أن يكونوا قد عاشوا حياتهم بالكامل، فيشعرون بالراحة لأنهم تركوا كل شيء منظّم قبل رحيلهم. فهذا تحدّ، يمكن مواجهته.
أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يسألون “لماذا أنا” والذين يتخبطون في مشاعر رفضهم للموت، فليس أمامهم من علاج سوى تقبّل الأمر الواقع.انظروا إلى هذين المفهومين على أنهما عقبة تحول دون عيشكم الحياة بفعالية.
وفي عدد كبير من الحالات، يخالف المرضى توقعات الأطباء.
الخوف من الألم
يزيد الخوف من خبرة الألم، وما من أحد يترقّب الألم. إلا أنه، وما إن يصبح الأمر لا مفرّ منه، فنحن نبحث عن معلومات حول سبل الحدّ منه، سواء أكان ذلك على الصعيد الطبي أو النفسي.
حاولوا اتباع هذه النصائح للتحكّم بالألم:
– مع كلّ نوبة ألم، خذوا نفساً عميقاً وازفروا.
– استخدموا تقنيات التصوّر لتتخيلوا أنفسكم في مستوى آخر، تراقبون من دون أن تشعروا بما يحدث لكم.
– حاولوا أن تحلّلوا الألم الذي تشعرون به. فالتركيز على ما يحدث يشتت انتباهكم، وبذلك يصبح الألم أقلّ قوة. ما من طريقة لقياس خبرتكم مع الألم، ولذا لا يمكنكم أن تعرفوا بأن الألم قد خفّ. إلا أنه يمكن تجربة هذه التقنية عوضاً عن الشعور بالغضب. فإبقاء الفكر مشغولاً بتحليل ما يجري في الفكر أثناء نوبة غضب، يخفّف من حدة الغضب.
الخوف من عدم القدرة على تأمين كلفة العلاج
يمكنكم الاستقصاء عن عدد من الخيارات، لذا بادروا إلى القيام بهذه الخطوات:
– ابحثوا عن المنظمات والمؤسسات التي تقدّم المساعدة المادية.
– اتصلوا بوزارة الصحة.
– حاولوا أن تستفيدوا من الحملات التي تقام لجمع التبرّعات.
– اطلبوا من الأصدقاء تقديم المساهمات المادية بدلاً من تقديم الهدايا أو الأزهار. بادروا إلى طلب المساعدة من الأقارب، والأصدقاء والرسميين الأثرياء، ما من عيب في ذلك.
الخوف من اضطرار أولادكم للتأقلم مع مرضكم أو مع غيابكم
أنتم المثال الذي يحذو أولادكم حذوه للتأقلم. فكما تتعاملون مع مرضكم، سيتعامل أولادكم معه. وأن تتمكنوا من أن تكونوا مثالاً واقعياً لهم هو إنجازكم الأفضل. وبحسب عمرهم، كونوا صادقين في مشاركتهم المعلومات وفي التعبير عن مشاعركم، من دون منح الأمور طابعاً درامياً. شجّعوهم وأكدوا لهم بأنكم “معاً تستطيعون التغلب على هذا الموضوع بالرغم من النتائج السلبية المحتملة”. فعندها، سيشعرون بأنهم يشاركون ويساهمون، عوضاً عن الشعور بالعجز والخوف، وسيحتفظون بذكرى جيدة ويمتلكون مثالاً يتبعونه في حياتهم.
الخوف من شعور الناس بالشفقة عليكم
يفترض بهذا الأمر أن يكون آخر همومكم. فالشفقة تجوز على الأشخاص العاجزين عن التفكير والعاجزين عن التصرف، وفي حالتكم، هذا الأمر غير صحيح. اشفقوا على الناس الذين يشفقون عليكم. فهم لا يعرفونكم ولا يعرفون كيف يتصرفون. إن أعرب أحدهم عن شفقته أمامكم، اسألوه عن السبب وراء شعورهم هذا. واسألوه إن كان عاجزاً عن تحمل المشاكل، بالرغم من صعوبتها؟ أما إن رمقكم أحدهم بنظرة شفقة، فأومئوا برأسكم وقولوا وقد ارتسمت على وجهكم ابتسامة كبيرة “أنا أبادلك الشعور عينه”. فأنتم لستم بالضحية، لذا تحدّوهم واسمحوا لأنفسكم بأن تعلّموهم. أنتم شخص يعاني من مشكلة ما، ويسعى إلى حلّها. فمن منّا لا يعاني من المشاكل؟ حتى أنّ هناك بعض الأشخاص الذي يعانون من مشاكل أكثر صعوبة من مشاكلكم.
مخاوف أخرى خاصة بكل شخص
واجهوا مخاوفكم تدريجياً وبحزم وعزم بالرغم من كل الصعوبات. دوّنوا ما يخيفكم، والسبب الذي يدفعكم للشعور بالخوف. وفي صباح اليوم التالي، انظروا إلى ما كتبتم ودققوا فيه. هل لهذا الخوف أساس واقعي، أو أنه مستند إلى خوفكم بشكل عام وإلى أفكاركم المضطربة؟ يبدو الخوف من الموت واقعياً جداً بالنسبة إليكم، إلا أن الموت أمر محتّم على كل الناس، سواء أكانوا صغاراً أم كباراً.
وما إن تستطيعوا مواجهة القلق والمخاوف التي تساوركم، ستشعرون بالقوة والقدرة على تخطي كلّ الصعاب.