خلال نقلي إلى غرفة العمليات، أملت في قرارة نفسي، بأن يجد الأطباء، حين يفتحون صدري، بأنه ورم حميد. حتى أنني حافظت على هدوئي ورباطة جأشي حين أعلمتني ابنتي الصغرى، وبمنتهى الرقة، بأنهم اضطروا إلى استئصال الثدي بكامله. أذكر بأنّ عيني كانتا تتجهان يميناً ويساراً فيما كنت مستلقية على سرير المستشفى. كان نظري يجول في كلّ مكان، كما لو أنني أبحث عن مكان أهرب إليه بعيداً عمّا سمعته لتوي. إلا أن بقية أعضاء جسمي كانت هادئة. لا أذكر بأن قلبي قد خفق بسرعة أو بأن تنفسي بات غير منتظم. حتى أن فكري كان هادئاً، وحدهما عينيّ كانتا تتحركان. وبقيت هادئة، متقبلة لما يجري، حتى حين كنت أغادر المستشفى في اليوم التالي.
أفعوانية من المشاعر
في بعض الايام السيئة، لم أكن أدرك ما الذي يجري. فأيّ أمر بسيط وسخيف كان يبكيني بكاء يقطّع القلب. كما أنني كنت أذرف الدموع الغزيرة في كلّ مرة كان شخصاً جديداً يعرف بحالي. فقد كان الجميع يشعرون بالعجز والصدمة تماماً كما كنت أشعر. كنت أتألم لألمهم، ولم أكن أستطيع جعل هذا الألم يضمحل. ظننت بأنني أعيش كابوساً لن أصحى منه أبداً. لم أكن أعلم ما الذي يزعجني أكثر، أهو فقدان الثدي أم أنبوب التصريف البلاستيكي المزعج الذي يخرج من جانبي. أكنت أخشى الموت، أو إنه التكيّف مع الصدمة أو قلقي على بناتي؟ وخشيت أن يلازمني هذا الغموض، هذا الخوف، هذا الألم، وهذا العذاب إلى الأبد. وفي بعض الأيام الأخرى، كنت ألتهي في الأعمال اليومية، وأنسى العذاب الذي أمرّ به. كما لو أنّ ذلك قد حصل لشخص آخر، كما لو أنني أراقب من بعيد. وفي أوقات أخرى، كنت أحيا لحظات عدم تصديق آنية، كما لو أنني سمعت لتويّ ماذا حصل لي. كما لو أنني عرفت الآن بأنني مصابة بالسرطان، وبأن هذا يحدث لي.
وبعدها جاء وقت الغضب! وقد حلّل أخصائي الأمراض السرطانية شعوري بالغضب معتبراً بأنني لم أحزن فعلياً على فقدان ثديي، كما لو أنني لم أبكه. أما أنا، فخالفته الرأي، ولمت النظام الطبي بأكمله حول العالم لعدم وجود أنظمة تشفي الخلايا المحروقة، والبشرة المسفوعة، والعظام المتألمة والأنوثة المخدوشة.
المبادرة للتعامل مع المسألة
في مرحلة من المراحل، وللتحكم بمخاوفي وبأفكاري المروّعة، كنت أصنّف مخاوفي الحالية وأوزعها ضمن فئات مختلفة في فكري. وبعدها، كنت أسعى، وبصمت، لمعالجة كلّ فكرة من هذه الأفكار على حدة، فأهدىء من روع نفسي عبر تخيّل طريقة لحلّ كلّ مشكلة من هذه المشاكل في أوانها.
وكان وضعي الجسدي الآني واحداً من أصعب المخاوف التي كان عليّ تقبّلها. ففي لحظات ضعفي، كان يجتاحني مزيح من الحزن والرعب.
في البداية، لم أكن أستطيع النظر إلى الجانب حيث تمّ استئصال الثدي. وبعد أشهر استطعت أن أستجمع قواي لألقي نظرة إلى الجرح المتعرج على صدري. كنت أخشى الاستحمام. ومرّ نحو ثمانية أو تسعة أشهر حتى استطعت أن أفرك صدري، الذي كان ما زال طرياً بعض الشيء، ببعض الثقة. فالاستحمام سيكون دوماً مختلفاً مع ثدي واحد وجرح كبير على امتداد الصدر، إلا أنه، ويوماً تلو الآخر، بات الاستحمام نشاطاً يومياً خال من الشعور بالصدمة.
نصائح موضة مفيدة
كان ارتداء الثياب تحدٍّ بحدّ ذاته. اضطررت إلى تجربة عدد متنوع من أنواع الثدي الاصطناعي. وأخيراً، اعتمدت ثديًا اصطناعياً على شكل دمعة، توضع ضمن جيب صغير في حمالة صدر خاصة بعمليات استئصال الثدي. فإن كنت لا تنوين إجراء جراحة ترميم للثدي قريباً أو إن كانت الفكرة لا تراودك أساساً، فاسعي إلى اكتشاف الخيارات المتاحة أمام النساء اللواتي يجرين عمليات استئصال للثدي، إلى أن تجدي شيئاً يجعلك تبدين بمظهر متوازن فتشعرين بالراحة ويكون ملائماً لأسلوب ملابسك. ففي المرة الأولى التي ارتديت فيها ثوب سباحة في العلن، شعرت بإدراك قوي لذاتي ووضعي، بالرغم من أن ثوب السباحة الذي كنت أرتديه كان فيه حمالات للثدي. وقد ارتديت قميصاً من الكروشيه فوق ثوب السباحة لأبعد أي مظهر عدم توازن قد يظهر على صدري. واكتشفت في مرحلة لاحقة بأن هناك أثواب سباحة خاصة بعمليات استئصال الثدي. بالرغم من أنني لم أستخدمها شخصياً، إلا أنني أظن بأنها تستحق الاطلاع عليها.
اليوم
اليوم وبعد مرور خمس سنوات، أصبح الألم والضيق الذي شعرت به أثناء مرضي ضبابيًا ، وبتّ أرى نفسي أشقّ طريقي نحو شكل جديد من “الحياة الطبيعية”، شكل يتبلور ويصبح أكثر وضوحاً مع مرور الأيام. اليوم، صرت أقدّر الأشياء الصغيرة التي تجعل الحياة “حلوة”. والحمد لله، فأنا لا أشعر بالمرارة بل وحده الامتنان هو سيد الموقف. وفيما تستمر المسيرة، وبينما تتلاشى الندبة عن صدري وتصبح أكثر طراوة، ها أنا اليوم أؤكد بأنني بالتأكيد تغيرت، إلا أن التجربة حتماً لم تترك ندبة في نفسي.
