خلال حياتي عامة، كنت نشيطة وأتمتع بصحة جيدة. وتماماً كما يحصل مع عدد كبير من الناس عند تخطيهم سن الأربعين، بدأت أعاني من بعض آلام الديسك في رقبتي وجسمي عموماً وفي ظهري أيضاً، وذلك بعد العمل لسنوات كمدرّسة ومحرّرة. حاولت تناول الأدوية المضادة للالتهابات، إلا أنها لم تساعدني بما يكفي، وبعد حوالي الخمس سنوات، بدأت تؤلم معدتي وإمعائي. وعقب استشارة طبيب الأعصاب، وعدم الشعور بالراحة عقب تناول المسكنات، نصحني بأن أخضع لعلاج يقتضي بأن أحقُن بإبرة فوق الجافية، إذ سيؤدي ذلك إلى جعلي أرتاح بسرعة عوضاً عن الاستمرار بتناول الحبوب. وفي وقتها، بدت لي هذه الفكرة ملائمة.
جاء اليوم المنشود، ذلك اليوم حيث سأتخلّص من الألم اليومي الذي يرافقني منذ أعوام. وقّعت على وثيقة التنازل واقتادوني على الكرسي المتحرّك إلى غرفة العلاج. عرّفني الطبيب إلى الطبيبة المتدرّجة المساعدة. لم أعترض على وجودها، لأنني كنت في مستشفى تعليمي، وقد كانت طبيبة متدرّجة لا تلميذة مساعدة وافترضت بأنها ستشاهد ما يحصل ولن تشارك فعلياً في العملية. ولكن كما تبيّن لي لاحقاً، تولت القيام بالإجراء الطبي استناداً إلى إرشادات الطبيب؛ الذي قال لي بأن يده كانت دوماً فوق يدها، يرشدها إلى ما يتعيّن عليها القيام به.
ما إن وصلت القسطرة إلى المجال الخاص بالرقبة، وتمّ حقن الدواء، شعرت بألم فظيع كما لو أن أحدهم طعنني بشوكة ولهثت كما لو أنني تعرّضت لصدمة كهربائية. قيل لي لطمأنتي بأن هذا مفعول الدواء الذي يسري في جسمي. وفي نهاية الإجراء الطبي، شعرت كما لو أنّ هناك سوط يُسحب من جسمي فيما كانوا يسحبون القسطرة، ما جعل رجلي اليمنى ترتفع بقوة عن الطاولة، وصرخت مجدداً. سألت: “ماذا يجري”، وردّ الطبيب: “لا بأس، انتهينا”.
يا ليتني أستطيع أن أقول بأن الألم قد زال! فبعد أن عدت إلى المنزل، انتابني مزيج من الألم، والخدر، وآلام الشقيقة، زادت خلال الأسبوع التالي، ما استدعى نقلي إلى الطوارىء وأنا أعاني من ألم لا يحتمل في مختلف أنحاء جسمي.
أُدخلت إلى المستشفى وخضعت للفحوص ولصورة سكانر لم تكشف أي سبب لهذا الألم الفظيع. لم يملك الأطباء أي تفسير سوى أن الدواء الذي أدخل إلى عمودي الفقري قد أثار أعصاب جسمي. وخلال الأشهر التالية، عانيت من حريق حاد وألم في ظهري، وازدادت نوبات الشقيقة، والخدر في الجهة اليمنى من جسمي.
ومنذ ذلك الوقت، عرفت بأن الأدوية الخاصة التي تستعمل في الإبر فوق الجافية تملك الكثير من الآثار الجانبية، وبأن بعض هذه الآثار غير قابل للإنعكاس، كالضرر الذي يحصل في الأعصاب وسواها من الأمور الأكثر سوءاً. وعلى امتداد الأشهر الستة التالية، رحت أستشير طبيباً تلو الآخر، سعياً للحصول على إجابات وعلى بعض المساعدة للتخفيف من الألم الذي يتملّكني. إلا أنني لم أكن أحصل سوى على وصفات طبية ونظرات خالية. بدا أن لا أحد يفهم سبب الألم. كنت أحيا على أدوية الأعصاب، والتي كانت تساعدني قليلاً، إلا أن لها الكثير من الآثار الجانبية. في الواقع، كانت حالتي أشدّ سوءاً ممّا كانت عليه قبل أن أخضع لحقنة فوق الجافية.
ونتيجة لتوتري من الألم الدائم، رحت أبحث عن العلاجات “المكمّلة”. فكلّ شخص يتجاوب بشكل مختلف لعلاجات الآلام المزمنة. ووجدت العلاج الأفضل وذات التأثير الأطول مع طبيب الاعتلال العظمي، الذي طلب مني، وبالإضافة إلى العلاج الذي وصفه لي، بأن أتناول مكمّلات الماغنيزيوم، والفيتامين دال والفيتامين بـ١٢، والسيلينيوم. وقد أحدث هذا المزيج المعجزات لآلام الأعصاب الذي كنت أعاني منه. كما وصف لي تمارين سباحة محدّدة لأقوم بها. كنت أعيش أياماً جيدة وأياماً سيئة، ولكن بشكل عام، كانت حدّة الألم أقلّ من ذي قبل.
د. أندرو ستيل، هو طبيب وجراح أميركي، أسس علاج الطب التقويمي أو الأستيوباثي في العام ١٨٧٤. تتمحور فلسفة هذا الطب حول إيجاد سبب الإنزعاج ومعالجة لا المنطقة التي تسبب الألم، بل جذور المشكلة، وبالتالي إكراه الجسم على أداء دوره في الشفاء الذاتي، كما يفترض به أن يفعل. وخلافاً لما يقوم به الطبيب العادي أو المعالج الفيزيائي، يعالج أخصائي العلاج التقويمي الجسم كاملاً، لا منطقة الألم فحسب. فالفاسيا أو غشاء التجويف البطني هو النسيج المترابط الرقيق الذي يحيط بأعضاء جسمنا، وعضلاتنا وألياف الأعصاب، والنسيج العضلي، وأوتار العضل والعظام. وبعد إجراء علاج يدوي استيوباثي، يوجّه الجسم نحو نمط الشفاء، ما يؤدي إلى ظهور بعض التقرّحات، التي تشير إلى أن إشارات الشفاء في الدماغ قد شُغّلت. وهو أمر لا يتوقّعه معظم المرضى، إذ نحن نميل لأن نعتبر الألم عاملاً سلبياً فقط.
وفي العلاج التقويمي، هناك ميل لتجنّب تناول الأدوية أو الحدّ منها قدر المستطاع، مع التشجيع على تناول المكمّلات وممارسة تمارين محدّدة. وبدأت أقتنع، عبر إجراء الأبحاث واختبار جلسات العلاج، بأن أدوية معالجة ألم الأعصاب التي كنت أتناولها، كانت تحجب إشارة الألم عن الدماغ فحسب، وهي ليست بالحلّ الأمثل على المدى الطويل.
وحين قرّرت أن أتحكّم بعلاجي وتوقفت عن الاعتماد على الأدوية وحسب، بدأت أشعر بمزيد من الأمل. وعلمت بأن الإجراءات العدائية والأدوية ليست دوماً الحل الأمثل للقضاء على الألم. ووجدت عدداً كبيراً من أخصائيي العناية الصحية الملمين في عملهم والفعالين، بدءاً من الأطباء، إلى مقوّمي العظام، وأخصائيي الأستيوباث، والمعالجين الفيزيائيين الذي يسعون لمساعدة مرضاهم انطلاقاً من خبرتهم ومن محبّتهم. ومن هنا، تقع على عاتقنا مسؤولية البحث عنهم.
وحين أجريت الكثير من الأبحاث وقمت بتجربة عدد من العلاجات المكمّلة للتحكم بالألم المتوفرة في لبنان، بما في ذلك: الشياتسو، وعلاج تقويم العظام، والطب الصيني التقليدي، والوخز بالإبر، وعلاج نقطة الانطلاق، والعلاج بالأكسجين، وعلاج الأستيوباثي، وسواها، تعرّفت إلى أخصائيين وأطباء رائعين لم أكن لأجدهم لو لم أبذل الجهد بنفسي للبحث عنهم.
واليوم، حين أسترجع الخبرة التي عشتها، والتي لا أزال أعيشها في كلّ يوم من أيام حياتي، أدرك بأنني أخطأت حين لجأت إلى ذلك الإجراء العدائي، الذي ألحق بي مزيداً من الضرر ولم يجدي نفعاً. وبالرغم من أنني أتمنى صراحة لو أستطيع أن أعود بالزمن إلى الوراء، إلى يوم قيامي بهذا الإجراء الطبي وتجنّبه، أو إيجاد من ألومه على ما قمت، إلا أنني أعرف بأن هذا مستحيل. ولكن الآن، ما أستطيع القيام به هو الاعتناء بجسمي، والتحكم بالألم بشكل آمن عبر الاستمرار في الحصول على العلاجات المكمّلة وتفادي القيام بالأمور التي تحفّز ألمي. لقد تعلّمت الكثير عن الخيارات المتاحة للأشخاص الذين يشعرون بالألم وعن الطرق التي يستطيع المرضى من خلالها التحكّم بصحتهم ومداواة أنفسهم حين لا يكون الدواء كافياً.