“لو كان كوكب الأرض شقة، لما كان بإمكاننا أن نسترجع مبلغ التأمين الذي أودعناه فيها”، جيم شوبرت
أدّى التمدّن إلى تعديل مفهوم المستعمرات البشرية وأسهم في تشكيل أمكنة يتعايش فيها الناس. وفيما يعود مفهوم التمدّن إلى بلاد الرافدين، فإن فكرة اعتماد “حياة مدنية عصرية” برزت عقب الثورة الصناعية. ومع توسّع المدن، والشعوب، وازدياد النشاط الاقتصادي، ظهر تحدّ اجتماعي وبيئي جديد: إدارة النفايات. وبالرغم من أن مشكلة إدارة النفايات تؤثر بشكل متفاوت على الشعوب في مختلف المناطق والبلدان، فإن تأثيرها يتفاوت ما بين المناطق والبلدان، وماهيتها متوقعة بالنسبة إلى المجتمعات، والطبيعة، والمستقبل.
بالنسبة إلى بلدان الشرق الأوسط، فإن موضوع إدارة النفايات بات تحدّياً متنامياً على مرّ السنوات. ينتج عن بلدان منطقة الشرق الأوسط كمّا هائلاً من النفايات الصناعية والطبية بسبب تزايد نسبة السكان بشكل كبير، التمدّن السريع، وزيادة اليد العاملة الأجنبية، إضافة إلى التوسّع الصناعي. فبحسب رهان أحمد، مديرة وحدة التخلص من النفايات في المجلس الأعلى للبيئة في مملكة البحرين، تنتج منطقة الشرق الأوسط النسبة الأعلى من النفايات الصلبة لكلّ فرد في العالم، منتجة أكثر من “١٥٠ مليون طن من النفايات الصلبة سنوياً”. يمكن أن يؤدي هذا الرقم الضخم إلى تبعات سيئة على الموارد البيئية وإلى مشاكل صحية. وتواجه بلدان الشرق الأوسط عدداً من العقبات على صعيد محاربة الفائض في النفايات، ومنها:
غياب الوعي العام- انخراط الأطراف المعنية- الثغرات في منشآت إعادة التدوير- عدم فصل النفايات- إنتاج كميات كبيرة من النفايات- النقص في استخدام النفايات العضوية- قلّة منشآت إعادة التدوير-
بالرغم من الجهود التي تبذلها البلديات والحكومات لحلّ هذه المشكلة الاجتماعية والبيئية المتنامية، فإن جمع النفايات ورميها في أماكن معيّنة غير كافٍ لتفادي الضرر الصحي والبيئي الناجم عنها. فالنفايات المكدّسة يجب أن تجمع، وتفرز، وتنقل وتعالج بدقة، مع وضع الكثير من الضغوط البيئة، والاقتصادية والاجتماعية على الأطراف الرسمية المعنية. وبات عدد من البلدان في منطقة الشرق الأوسط، كالإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، يعتمد مقاربة صفر نفايات عبر الترويج لمفهوم “خفض الاستهلاك، ومعاودة الاستخدام وإعادة التدوير”، إضافة إلى سواها من تقنيات التسميد.
الدعوة إلى خفض الاستهلاك، ومعاودة الاستخدام وإعادة التدوير
بالرغم من وجود الكثير من الطرق للتطرق إلى أزمة النفايات، فإن الفكرة وراء مقاربة صفر نفايات تقتضي إعادة ابتكار أنظمة إنتاج وتوزيع أكثر استدامة تحول دون تكدس النفايات من أساسه. فمبادرات صفر نفايات تدعو إلى إعادة تصميم عملية إنتاج صناعية جديدة، حيث يتحمّل المصنّعون مسؤولية منتجاتهم، حتى بعد استخدامها. فعلى سبيل المثال، يتحمّل المنتجون مسؤولية إرسال المنتج مجدّداً ليصار إلى إعادة تدويره، ومعاودة استخدامه وإصلاحه ليُرسل مجدداً إلى السوق. ومن هنا، فإن المنتجات التي لا يمكن إعادة تدويرها ومعاودة استخدامها ستواجه بعض القيود القانونية. وضمن مقاربة صفر نفايات، تتألف الاستراتيجيات الحكومية من ثلاثة أركان أساسية تتجانس مع مفهوم خفض الاستهلاك، ومعاودة الاستخدام وإعادة التدوير.
- يتمحور الهدف الأساسي حول الحؤول دون تكديس النفايات من أساسه.
- يتمحور الهدف الثاني حول الترويج للمنتجات التي يمكن معاودة استخدامها.
- يتمحور الهدف الثالث حول إعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى موارد قيّمة.
إعادة تدوير النفايات العضوية
تتألف النفايات العضوية من مواد قابلة للتحلّل تنتجها الحيوانات أو النباتات. إن النفايات العضوية، كالطعام، طعام الحيوانات الأليفة، الأزهار المقطعة، الخشب وروث الماشية هي أمثلة على النفايات العضوية. ومن أبرز الطرق للتحكم بالنفايات العضوية هي تحويلها إلى سماد. فبحسب شركة ميللير لإعادة التدوير، فإن التسميد ينقّي النفايات العضوية ويحولها إلى “سماد غني بالمغذيات”.
كيف تتمّ عملية التسميد؟
يتمحور التسميد حول اعتماد نظام بسيط لمعالجة النفايات، حيث تتولى المنشأة المولجة بذلك جمع النفايات العضوية وأخذها إلى الأمكنة المخصصة للتسميد. تحصل عملية التسميد حين تتغذى الكائنات الدقيقة على النفايات العضوية وتستلهلك الأوكسيجين. ويصبح المنتج النهائي مواداً بنية اللون رطبة، تستخدم في مرحلة لاحقة كسماد للنباتات.
باتت الشركات، على اختلاف أحجامها، تدمج أساليب مستدامة وصديقة للبيئة ضمن محيط عملها. فالشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي قد لا تنتج كمية كبيرة من النفايات العضوية، قادرة على أن تعتمد التسميد كطريقة من الطرق الصديقة للبيئة للتخلص من النفايات العضوية. وبات عدد من الشركات في منطقة الشرق الأوسط تحذو حذو عدد كبير من الشركات في الدول الأوروبية كألمانيا، والنروج، والبرازيل، وأستراليا عبر أخذ مبادرة لإدارة النفايات عبر بناء مصانع تنتج صفر نفايات. اليوم، بات الوصول إلى صفر نفايات مسؤولية تتشاركها السلطات الحكومية والشركات الخاصة ضمن إطار مساهمتها في المسؤولية الاجتماعية.