بضعة أشهر تفصلنا عن عيد العشاق. إلا أنني أتساءل دوماً عن مدى حاجتنا ليوم واحد نعبّر فيه عن هذا الشعور الرائع، عن الحبّ الذي يختلجنا، ونظهره، ونبرهنه، ونحتفل به. ومن هذا المنطلق، أدرك بأنه غالباً ما ينسى الناس بأنّ الحبّ عملية مستمرة، تتجلّى من خلال سلسلة من الأعمال لا من المشاعر فحسب. الحبّ موجود دائماً ولا نحتاج إلى تذكير به إن كنّا نختبره فعلاً، أتوافقونني الرأي؟
وفي هذا الصدد، أودّ أن أتطرق إلى مفهوم يبقى دوماً طي النسيان: حبّ الذات. يعدّ حبّ الذات مسألة ضرورية للصحة الجسدية والنفسية عموماً، فحبّ الذات يؤثر على الطريقة التي نتعامل فيها مع المشاكل التي تصادفنا في حياتنا، ومع نظرتنا إلى وضعنا المهني، وطريقة اختيار شريك الحياة أيضاً. تُرى لِم لم يبادر أحدهم ويخصّص يوماً للاحتفال بهذا المفهوم الهام؟
ما هو حبّ الذات، وكيف يقع المرء في حبّ ذاته؟
لكي تحبّ ذاتك، عليك أن تهتمّ جيداً بذاتك، وأن تتعرّف على ذاتك بعمق، وتدرك تماماً ما هي نقاط ضعفك وما هي نقاط قوّتك؟ سلّط الضوء على إنجازاتك واثنِ على الجهد الذي تبذله لتحسين حياتك. تفادى انتقاد ذاتك واستبدل الانتقاد بمسامحة ذاتك على الأخطاء السابقة.
خصّص الوقت للاسترخاء، والاستمتاع بالوقت ولتدليل نفسك كلّما استطعت. اسعِ إلى تحقيق أحلامك والتطوّر على الصعيد الشخصي، والمهني والروحي. ردّد لنفسك العبارات الإيجابية، واسع لبناء ثقتك بذاتك، وثق بنفسك، وكن صادقاً ولطيفاً مع نفسك. وكن متنبهاً لحاجات جسمك، فجسمك يلازمك من ولادتك وحتى مماتك.
لِم يعدّ الاهتمام بالجسم ضرورياً؟
أولاً، لأن جسمك هو الكائن الوحيد الذي تمضي الحياة بأكملها معه، وهذا أمر مثبت.
ثانياً، يستطيع الآخرون أن يدركوا بأنك لا تحبّ ذاتك؟ كيف عساك تتوقّع بأن يحبّك الآخرون إن كنت لا تحبّ ذاتك؟ فحبّ الآخرين يستلزم العناية، والاحترام، والثقة، والمعرفة الحميمية، والتصرف بلطف مع المحبوب. عليك أولا بأن تبدأ بتطبيق هذه الأحاسيس على نفسك. وأؤكد لك بأن حبّ الذات ينعم عليك بأفضل أنواع الحبّ وأكثرها غنى. وحين تتمكّن من حبّ ذاتك، يصبح بإمكانك أن تتصرّف بعدل مع الأشخاص الذين تحبّهم.
أمّا إن كنت تخوض علاقة عاطفية، وأنت منغمس في دائرة الحبّ الدافق، فهذا رائع فعلاً. استمتع بهذا الشعور المميّز بقدر ما تستطيع. ولكن احذر من أن تندمج وتنصهر بشكل كامل مع الشريك ويكون ذلك على حساب خسارة ذاتك الفعلية. احمي تفرّدك، وهويتك ومشاعرك وحافظ عليها. وهذا ما أقصده حين أقول: اعشقوا ذاتكم حين تحبّون الآخرين. أحبوا الآخرين فيما تضعون حدوداً تحول دون جعلكم تشعرون بأنكم ضحية الحب أو بأنكم شهداء تبذلون نفسكم في سبيل شريككم، في حال حاول التخلي عنكم.
أما إن كان قلبك خالٍ حالياً ولا تخوض علاقة عاطفية، فعندها ستفتقر إلى واحدة من الحاجات الأساسية. يبقى هناك فراغ عاطفي عليك أن تقبله، فيما تركّز على الآخرين الذين لا يزالون يحبونك (وهناك الكثير من الأشخاص الذين يحبونك إن أمعنت التفكير في ذلك). وسيأتي الوقت حين يخفق قلبك بقوة مجدداً لرؤيتك شخصاً مميزاً، وإلى أن يحين ذلك الوقت، يمكنك الاستفادة من الوقت والطاقة للتركيز على حبّ ذاتك بشكل أفضل.
وحين تحبّ ذاتك، ستجذب مزيداً من الحبّ إلى حياتك. وبالتالي، وبوجود شريك أو بغيابه، خصّص الوقت لنفسك. املىء كيانك بحبّ الذات لكي تتمكن من المضي قدماً في هذه المسيرة بشكل أفضل. أنا لا أشجّعك على أن تكون أنانياً أو تصبح نرجسيًا. فهاتين الصفتين تنضويان على أفكار ومفاهيم مختلفة بالكامل، تستثني مراعاة مشاعر الآخرين أو تلبية حاجاتهم.
فحبّ الذات يعدّك لتضحّي من كلّ قلبك في سبيل من تحبّ. وفي هذا الإطار، أسمع الكثيرين يتذمرون من مدى شعورهم بالضجر حين يكونون بمفردهم. وهذه إشارة محذّرة من وجود شوائب على صعيد حبّ الذات. فإن كنت تشعر بالضجر حين تكون بحضرة ذاتك، فهذا يعني بـأنك مضجر بغض النظر عن هوية الشخص الذي تتواجد برفقته. لعلّك لا تركّز بما فيه الكفاية على قوتك الداخلية وجمالك، بل تقضي الوقت الذي تكون خلاله لوحدك في التذمّر وانتقاد شوائبك. ولعلّك تعتمد بشكل كبير على الآخرين ليقيّموا قيمتك فيما ترفض أن تعترف بقيمتك. بادر إلى تغيير هذه النظرة، وبسرعة!
هل أنت من الأشخاص الذين يعيشون كما لو أن هناك يافطة تتدلّى من أعناقهم كتب عليها: “أحبوني؟؟؟” إن كان الجواب إيجاباً، فتوقف عن هذا التصرف فوراً! ضع هذه اليافطة أمام المرآة، حيث تنتمي، واقرأها بشكل يومي. فالشخص الوحيد القادر فعلاً على أن يحبّك بكلّ قواك وكلّ أخطائك هو أنت. لن ينجح أي شخص سواك في القيام بذلك على أكمل وجه!
فلنكن واقعيين. ففي حين قد يتركك أي شخص في أية لحظة أو مرحلة من حياتك، وحدك أنت هو الشخص القادر على البقاء بجانب نفسك طالما حييت.
ما هو أكثر شيء تحبّه في ذاتك؟