إن نظرنا إلى قرارة أنفسنا، ورغباتنا الأسمى، لوجدنا بأن أحلامنا متشابهة. فجميعنا نملك هدفاً واحداً مشتركاً، هو تحقيق السعادة لأنفسنا وللناس الذين نحبّ.
منذ أكثر من قرن، كتبت هيلين كيللر: “برأيي، السعادة أمر كامل متكامل”. واستناداً إلى كلام كيللر، فأنا أصف السعادة على أنها خبرة الشخص الكاملة والمتكاملة. يتمتع بعض الأشخاص بحياتهم، بغض النظر عما يحصل معهم، فيما يعجز آخرون عن إيجاد السعادة بغض النظر عمّا يقومون به ومهما حاولوا جاهداً، فيما يجد معظمنا أنفسهم ما بين المكانين. والفرق في حياة الأشخاص لا يتمحور حول ما يواجهونه بل حول كيفية تصرفهم حين يواجهون ما يواجهونه. وبغض النظر عما تعنيه الحياة الملائمة لهم، فأنا على ثقة من أن واحداً من أهم العناصر لعيش حياة كريمة هو إجادة نموذج السعادة الذي يشار إليه باسم نموذج SPIRE للسعادة.
واستناداً إلى أبرز الأبحاث وأحدثها في علوم الأعصاب وعلم النفس الإيجابي، فإن هناك خمسة عوامل من عوامل التكامل من شأنها أن تقود إلى السعادة، وهي تشكل كلمة SPIRE بالإنكليزية والتي يشير كل مفهوم منها إلى عنصر سنتطرق إليه أدناه. يركّز مفهوم السعادة SPIRE على الشخص بكامله، بما في ذلك الناحية الروحية، والجسدية، والفكرية، والعلائقية، والعاطفية. وبالتالي، تصبح السعادة متعددة الأبعاد. وعبر التفكير في كل عنصر من عناصر السعادة، يمكنكم أن تعززوا رفاهيتكم، ولاسيما في وجه الشدائد.
يشير الحرف S إلى الرفاهية الروحية (Spiritual Wellbeing)، أي إلى أهمية إيجاد معنى وهدف للحياة ورفع من قيمة الخبرات العادية لجعلها خبرات غير عادية من خلال الحضور الحريص.
فعند خدمة شيء أكبر من الذات والانتماء إليه، ينمو في داخلنا إحساس بالمعنى والهدف. وتكثر الطرق التي تجعلنا نمتلك إحساساً بالمعنى، ومنها الديانة، والعائلة، والعلوم، والسياسة، والعمل، والمجتمع، والقضايا الاجتماعية، وممارسات الامتنان، إلخ.
يشير الحرف P إلى الرفاهية الجسدية (Physical Wellbeing): إن كياناتنا النفسية والجسدية مترابطة ومتداخلة؛ فالسعادة ليست حكراً على الفكر أو على الجسد، بل على كليهما معاً. ويشمل ذلك الحفاظ على توازن الجسم، وإدارة الطاقة، والقيام بالنشاط الجسدي، والتحكم بالتوتر، واعتماد النوم السليم والتغذية الصحية. يشير الحرف I إلى الرفاهية الفكرية (Intellectual Wellbeing): نشير إلى الرفاهية الفكرية على أنها القدرة على منح معنى عميق للخبرات التي عشناها والانفتاح على خبرات جديدة. ومن هنا، علينا الانخراط في أنشطة تدعم نمونا وتعلمنا. يختلف كل شخص عن الآخر، وتختلف هواياتنا والأمور التي تسرنا، سواء أكان العزف على آلة موسيقية، أو ممارسة رياضة، أو الرقص، أو العمل على مشروع مثير للاهتمام أو حتى اعتماد هوية معينة. فكروا بالمواضيع التي تثير اهتمامكم، أو بالمهارات التي تودون تطويرها، طالعوا، أصغوا إلى البرامج المسجلة، تسجلوا في منتدى إلكتروني، أو ابحثوا عن مرشدين أو خبراء تتعلمون منهم. يشير الحرف R إلى الرفاهية العلائقية (Relational Wellebeing)، أي تطوير الروابط السليمة مع الذات والآخرين: تعدّ العلاقات ضرورية للرفاهية، ويشكل معيار التنبؤ الأول بالسعادة هو الوقت الذي نقضيه مع الأشخاص الذين نهتم لأمرهم ويهتمون لأمرنا وجودته. فالبشر كائنات اجتماعية تتوق للتواصل مع الآخرين، وللحب والحميمية. ومن هنا، فإن بناء علاقات إيجابية مع الأهل، الإخوة، الأقران والأصدقاء يعزّز قدرتكم على الحبّ، والرأفة، واللطف، والتعاطف، والعمل الجماعي، والتضحية بالذات، إلخ. كما أن امتلاك علاقات متينة مع الآخرين يمنحكم الدعم في الأوقات العصيبة. ناهيك عن أن بناء علاقة صحية مع الذات أمر ضروري للتمتع بعلاقات صحية مع الآخرين.
يشير الحرف E إلى الرفاهية العاطفية (Emotional Wellbeing)، أي الشعور بمختلف العواطف والسعي للتمتع بالمرونة والتفاؤل: قال أوسكار وايلد، وهو محقّ فعلاً في كلامه: “لا أريد أن أكون تحت رحمة عواطفي، أود أن أستخدم عواطفي، أن أتمتع بها وأن أسيطر عليها”. فاستخدام العواطف والاستمتاع بها يعني أن أسمح لنفسي بأن أكون إنساناً وأختبر العواطف الإنسانية بكليتها. لذا، أرجو منكم أن تكفوا عن السعي للسعادة، والاعتبار بأن الحل الأمثل هو نكران مشاعركم الحالية أو إبعادها. فالتحكم بمشاعركم لتلبية توقعات الآخرين وتوقعات المجتمع ليس بعلامة قوة. اسمحوا لأنفسكم بأن تشعروا فعلاً وأن تتواصلوا مع مشاعركم وعواطفكم، فذلك يعزز إنسانيتكم وإدراككم بأن الضعف قوة.
إن دمج عناصر مفهوم السعادة SPIRE يدعمكم في الوصول إلى مستويات أعلى من التكامل. فأنا أؤمن بأن السعادة خيار يكمن في داخل كل واحد منّا. فرؤيتنا، ونظرتنا نحو العالم، وأعمالنا، وأفكارنا تؤثر جميعها على مستوى سعادتنا الكاملة. ولكي تتمتعوا بالسعادة في الحياة، إليكم بعض النصائح: – كونوا على اصطفاف تام مع قيمكم. – اتبعوا شغفكم وقوموا بما تحبون القيام به. – حسّنوا علاقاتكم. – عيشوا بامتنان وتقدير دائم. – أحبوا أنفسكم وتقبلوا جسمكم. – نمّوا فكركم، وأخيراً، وليس آخراً، – تشبّثوا بالحياة في كل لحظة واعتنقوها.
عسى أن تغمر السعادة كل لحظة من لحظات حياتكم!