أتضعون دوماً نصب أعينكم معايير يستحيل تحقيقها؟ أتفضلون إنجاز الأمور بأنفسكم عوضاً عن أن ينجزها شخص آخر بشكل “خاطىء”؟ أتميلون إلى الشعور بالتوتر، والخوف أو القلق؟ وأخيراً وليس آخراً، أسبق لكم أن تساءلتم إن كنتم “ملائمين”. وهل سبق أن قلتم لنفسكم لا لسنا ملائمين، وكررتم ذلك مراراً وتكراراً، حتى استحالت هذه الفكرة نمطًا سلبيًا أو تشويشًا فكريًا؟
إن أجبتم بنعم على أيّ من هذه الأسئلة على الأقل، فسأطلب منكم التفكير بالأسئلة التالية:
صوت من تسمعون؟
من يضع هذه المعايير؟ من يخلق هذه المعتقدات؟ من يحرّك هذه الردود العاطفية؟ من يستهلّ هذه الأحاديث الذاتية السلبية؟
هذا ما يطلق عليه تسمية “السعي الباطني نحو المثالية”.
يحدّد الهوس بالمثالية على أنه امتلاك معايير عالية للغاية ومبالغ فيها في انتقاد الذات. ومن هنا، يضع الأشخاص المثاليون توقعات غير واقعية ومبالغ بها لأنفسهم وللآخرين. فيحكمون على أنفسهم بقسوة كلما اقترفوا أخطاء لأن ذلك يحرّك شعورهم بالخجل، ما يسبب لهم الكثير من الإحراج.
وبشكل مقابل، يعاني الأشخاص المثاليون من خيبات أمل متكرّرة حين يفشل الآخرون في تحقيق توقعاتهم أو آمالهم.
فهذا الشعور الدائم بعدم الملائمة، والناجم عن تحديد قيمتهم استناداً إلى ما يقومون به، وما يحققونه، وإلى نظرة الآخرين حولهم، قد يؤدي إلى بعض المشاكل الفكرية والجسدية ومنها:
مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب وهن أو تعب الشديد آلام رأس أرق إيذاء الذات وسواس قهري اضطرابات غذائية وتكوين صورة سيئة عن الذات ضعف في الأداء الوظيفي مستوى مرونة منخفض حيال التحديات والشدائد صعوبة في تكوين علاقات حميمة قوامها الثقة حساسية مفرطة تجاه الانتقاد والحكم على الآخرين القيام بخيارات سيئة على صعيد نمط الحياة
إلا أنه، لكلّ شيء في الحياة، وجهان. فإدراك هذه الحقيقة سيحثكم على البحث عن طرق للاستفادة من كل شيء.
وفي مثل هذا الحال، وفيما تعدّ المثالية “غير القابلة للتكيّف” أمر غير مستحسن، إلا أنّ المثالية “الصحية” هادفة.
وفي الواقع، فإن السعي نحو التميّز، ليس أمراً مؤذياً بحدّ ذاته، إذ قد يسفر عن انتصارات هائلة، ما يجعلها سمة مميزة.
وفقط عبر وضع سقف عال للأمور، وتحويل الأهداف الواقعية إلى أحلام غير قابلة للتحقيق، يقع المرء في فخ المثالية المؤذية.
وبعبارة أخرى، فإنّ مظاهر المثالية غير القابلة للتكيّف تستلزم تقييماً نقدياً للذات ومخاوف من توقعات الآخرين. ولذا، حين يفشل هؤلاء الأشخاص، يصبحون إمّا مهووسين بالهدف الذي يصبون إليه فيضاعفون جهودهم أو يتفادون النشاط برمته.
ومن جهة أخرى، تتضمن المظاهر الصحية للمثالية السعي لوضع معايير شخصية وتحقيق إنجازات. ولذا، فحين يفشل هؤلاء الأشخاص، يتعلّمون من أخطائهم ويثابرون على عملهم وينخرطون فيه.
يمكن لهذه الخطوات أن تسهم في تخطي المثالية وتحسّن الصحة والعافية بشكل عام:
– إدراك الأفكار، والسلوكيات، والميول. “يمكن لكتابة اليوميات وممارسة تقنيات التأمل الفكري أن تكون مفيدة للغاية”.
– مواجهة الأفكار بوقائع ملموسة: “ما هو الدليل الذي تعتمده لتثبت بأنك غير مناسب أو غير مؤهل؟”
– التركيز على الإيجابية: “أعربوا عن امتنانكم كل يوم”.
– إفساح المجال أمام ارتكاب الأخطاء: “إن ارتكاب الخطأ هو فرصة ممتازة للتعلّم، والتطّور والتصرّف بشكل أفضل”.
– تعديل الحديث السلبي مع الذات: “تعزز التأكيدات الإيجابية احترامكم لذاتكم وتقودكم نحو نمط حياة سليم وصحي في الحياة”.
– وضع أهداف منطقية نصب عينيكم: “ضعوا نصب عينيكم أهدافاً محددة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، مرتبطة بالموضوع وآنية”.
– السعي إلى تجزئة المهام: “اسعوا للخروج من الحلقة المفرغة التي تقتضي إنجاز كل شيء أو عدم إنجاز شيء”.
– تعلّم كيفية تقبّل النقد البناء والتطور: ” اضبطوا أنفسكم. يمكن لتمارين التنفس العميق أن تساعدكم على أن تهدئوا من روعكم وتسيطروا على الغضب، ما يسمح لكم بإعادة النظر بأي تعليق ورؤية الأمور من منظار جديد”.
– التخفيف من الضغط الممارس على الذات: “إرأفوا بأنفسكم”.
– التركيز على المعنى أكثر منه على المثالية: “يمكن لسعيكم نحو الكمال أن يؤدي إلى شعوركم بالتوتر، لذا، فالبحث عن معنى الأشياء من شأنه أن يمنحكم الشعور بالرضى وتحقيق الغاية المنشودة”.
– السعي لتفادي المماطلة: “لستم مضطرين على إنجاز الأمور بشكل مثالي من التجربة الأولى”.
– طلب المساعدة عند الضرورة. “تستغرق عملية الشفاء الكثير من الوقت، وطلب المساعدة خطوة شجاعة”، ماريسكا هارغيتاي.
لن يظهر الكمال رؤيتكم المثالية للعالم، بل سيحول دون السماح لكم برؤية الأمور بشكل صحيح إلى أن تستخدموا ذلك كمهارة أثناء الاعتراف بحدود قدراتكم واحترامها، ووضع أهداف واقعية، والقيام بخيارات واعية، والعيش وفقاً لها.
الآن، حان الوقت لإزالة هذا القناع، وتلبية ذاتكم الفعلية، وتحديد نقاط قوتكم، وتقبّل عيوبكم وبالتالي الكشف عن هويتكم المثالية.