هل حياتكم ملك لكم وحدكم؟
إن العيش منفردين ومتقوقعين على ذواتكم ليس بالطريقة الأمثل للحياة، فهذه المنهجية تُفقدكم جزءاً هاماً من مسيرة حياتكم. لقد وُجدتم في هذا العالم لتحققوا الأهداف و لتستمتعوا، و لكن أيضاً لتعطوا وتحققوا ذاتكم من خلال هذا العطاء.
وفي هذا الإطار، يقول د. فيكتور فرانكل، مؤسس منهجية العلاج بالمعنى: ” السمو الذاتي يؤكد بأن الإنسان يتّجه دوماً نحو شيء ما أو شخص ما، غير ذاته، تحقيقاً لمعنى معين أو شخص آخر” (فيكتور فرانكل، ٢٠٠٦)
فالسمو الذاتي هو إرادتكم للذهاب إلى ما هو أبعد من ذاتكم، والتوجه لخدمة قضية معينة و/أو شخص تحبونه. السمو الذاتي هو الركن الأساسي لعيش حياة “هادفة وذات معنى”. فمن خلالها، تأخذون جزءاً من كيانكم، وشغفكم، واهتماماتكم ووقتكم وتضيفونها إلى حياة أشخاص آخرين.
أشكال السمو الذاتي
يستند السمو الذاتي على علاقة تجمع ما بين الأنا والأنت. إنها علاقة تربط الشخص بشيء ما أو بشخص ما خارج الأنا. ويمكن للمرء أن يعيش السمو الذاتي ويختبره بأشكال مختلفة.
يعرف الشكل الأول من أشكال السمو الذاتي، “بالقضية”. ويمكن للسمو الذاتي في سبيل قضية معينة أن يتخذ مستويات مختلفة:
المستوى المحلي، كالحفاظ على إرث قريتكم/ مدينتكم. المستوى الوطني، كتنظيم لجنة ضغط لتغيير قانون غير عادل في بلدكم. المستوى الإقليمي/ الدولي، كالمشاركة في مجلس معين لتفادي الاحتباس الحراري.
يمكن لمختلف أنواع القضايا أن تتخطى مستويات الاهتمام الشخصي، لتؤثر بالبيئة المحيطة بكم، وبالعالم كله. ومن خلال اهتمامكم بالقضية، ستخصصون من طاقتكم، ووقتكم، وخبرتكم تحقيقاً لهدف أسمى خال من الأنانية.
أما الشكل الثاني من أشكال السمو الذاتي، فهو السمو باتجاه شيء ما/ شخص ما. ويمكن لهذا السمو أن يكون أيضاً على مستويات مختلفة وأن يكون على نطاق ضيق أو شامل.
السمو الذاتي على نطاق شخصي: تأمين حياة كريمة لكم، ولعائلتكم ولأولادكم، ومساعدة أهلكم المسنّين في أعمالهم اليومية السمو الذاتي على نطاق وطني: مثل تأسيس جمعية خيرية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من أمراض نادرة السمو الذاتي على نطاق عالمي: مثل تطوير استراتيجيات أو الانخراط ضمن مؤسسات تهدف إلى وضع حدّ للفقر في العالم، ولاسيما في البلدان الفقيرة.
ويمكن عيش السمو الذاتي تجاه شخص أو أشخاص معينين و تجاه الحيوانات أيضاً. كالمبادرة مثلا إلى افتتاح ملجأ للكلاب الشاردة في بلدكم، أو نشر التوعية على الصعيد العالمي حول انقراض أجناس معينة من الحيوانات.
السمو الذاتي ليس إنهاكاً للذات
لا بدّ أن نؤكد ونشدد على أن السمو الذاتي لا يعني أبداً التوقف عن الاعتناء بأنفسكم، والوصول إلى مرحلة إنهاك الذات والتضحية بالذات. إذ لا بدّ من الحفاظ على النار متّقدة في داخلكم لكي تتمكنوا من إنارة العالم وإنارة حياة الآخرين. وأثناء الاعتناء بالآخرين، فالاعتناء بالذات عمل يخلو تماماً من الأنانية.
إن كنتم من مقدمي الرعاية، أو كنتم أهل أو رؤساء تنفيذيون، فكيف ستتمكنون من خدمة أولادكم، وعائلتكم، وفرقكم والناس إن تدهورت صحتكم وتلاشت اهتماماتكم؟ عاجلاً أم آجلاً، سترون بأن نوركم سيخفت وبأن مستوى الخدمة التي تقدمونها سيتأثر.
فالسمو الذاتي ليس بدعوة للقيام بتضحيات غير صحية، بل هو دعوة لدمج الآخرين ضمن اهتماماتكم. فعلى سبيل المثال، أنتم تحبون السير في الطبيعة بمفردكم كل يوم، وفي يوم من الأيام، أعرب أحد إخوتكم عن رغبته بمرافقتكم في هذه النزهة. ورأيتم بأن هذه الخطوة قد تحدث تغييراً في حياتهم ; من حقكم ألا تدعونهم يرافقونكم في نزهتكم كل يوم، إلا أن السمو الذاتي هو أن تسمحوا لهم طوعاً ومن كلّ قلبكم في مرافقتكم في النزهة مرة في الأسبوع، مع الحفاظ على وقت لكم تمارسون فيه الهواية التي تحبون.
الحفاظ على صحتكم وعافيتكم هو أمر أساسي أثناء السمو الذاتي.
يختلف السمو الذات ويتفاوت بحسب الأوضاع
في حالات معينة وأطر محددة، قد يؤدي السمو الذاتي إلى مرحلة تأخذون فيها خيار بتضحيات أكبر بملء إرادتكم، تضحيات تتضمن مخاطر. إنه قرار واعٍ يتخذه المرء لصالح قضية معينة و/أو شخص ما. كأن يهب الأب إحدى كليتيه لابنته على سبيل المثال. والأمر سيان في الحروب وفي الظروف المليئة بالتحدي، حين يضحي شخص ما بجزء من حياته أو بحياته كلها في سبيل الآخرين.
عليكم أن تدركوا بأنه يحق لكم أن تختاروا الطريقة التي تريدون أن تسموا من خلالها، حتى ولو كان ذلك يعني اتخاذ قرار غير تقليدي. اعتنوا بأنفسكم بأقصى درجة ممكنة ودعوا الأطر القصوى للسمو الذاتي تكون خيارات واعية تقومون بها.
لا أعذار
“كلما نسي المرء نفسه، عبر الاستسلام الكلي لقضية معينة أو لخدمة شخص آخر, بالحب، كلما زادت إنسانيته، وكلما تمكّن من تحقيق ذاته بشكل أكبر” (فرانكل، فيكتور، ٢٠٠٦)
إن عيش الحياة من دون أخذ قرار بالسمو الذاتي من شأنه جعلكم أشخاصاً متمحورين فقط حول ذواتكم، وبالتالي ستخسرون أجزاء مهمة من الهدف من حياتكم. فالسمو الذاتي هو جزء أساسي من تحقيق الذات. والمعنى الحقيقي والهادف للوجود لا يمكن أن ينجز من دون امتلاك قضية أسمى تدافعون عنها أو أشخاصاً آخرون تحبونهم.
ليس أمامنا أي عذر لئلا نعيش السمو الذاتي؛ هناك الملايين من الطرق لنختار قضية معينة و الأشخاص الذين نود أن نخدمهم. فإبقاء جزء من قلبكم وفكركم خارج أنفسكم هو الطريقة الأمثل والأفضل لترك بصمتكم في هذا العالم.
ما هي القضية و من هم الأشخاص الذين اخترتم أن تسموا في سبيلهم ؟