لعلكم سمعتم مؤخراً عن تقنية الـEMDR، التي باتت تعتمد كمقاربة بديلة عن العلاج، ولكن أظنّ بأنكم لا تعرفون ماذا يعني أو كيف تطبّق. فمصطلح EMDR باللغة الإنكليزية هو اختصار لعبارة إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين، وغالباً ما يندهش أخصائيو هذه التقنية بما تحقّقه وبسرعة الشفاء والتأثيرات الإيجابية الطويلة الأمد.
وما تلبث الأبحاث تلو الأخرى توثّق مدى فعالية تقنية الـEMDR كعلاج لعدد من المشاكل النفسية. واستخدامها لا ينحصر في التعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) كما كانت عليه الحال عندما تمّ عرض تقنية الـEMDR للمرة الأولى.
تدمج هذه التقنية عناصر من عدد من المقاربات العلاجية، إلا أن سمتها الأساسية فهي العمل على مستوى الأعصاب، والتي غالباً ما يشعر بها متلقي العلاج.
عانى معظمنا من أحداث مؤلمة في حياتنا أو تعرض لصدمة معينة في حياته، بطريقة أو بأخرى. قد يكون السبب في ذلك المعاناة من الحرب، أو من إساءة جسدية أو عاطفية، أو مرض، أو تنمّر، أو خيانة، أو حادث أو سواها من الخبرات الصادمة أو المرهقة. وتماماً كما هي عليه الحال من خلال آلية الشفاء الطبيعية التي تعمل بشكل مباشر حين نعاني من جرح جسدي، لدينا آلية شفاء أخرى تطلق لشفاء الجراح النفسية.
يتمحور كل شيء حول الدماغ. خذوا على سبيل المثال مسألة الموت المفاجىء لشخص تحبّونه. في البداية، يكون الوضع مأساوياً وغير محمول، إلا أنه، ومع الوقت، نبدأ تدريجياً بالتماثل للشفاء، وفي النهاية نتقبّل الخسارة (وقد لا نفعل). ويقال “الزمن كفيل بالشفاء”، ولكن في الواقع، يجاهد دماغنا ليجعلنا نفهم ما يجري، وهذا ما يساعدنا على الشفاء مع الوقت.
فنظريتنا المتعلقة بطريقة عمل تقنية الـEMDR هي أنها تقلد ما يحدث أثناء النوم خلال مرحلة النوم التي تعرف باسم (حركة العين السريعة)، والتي تتحرك خلالها عينينا بطريقة سريعة ومتواصلة من جهة إلى أخرى لبعض الوقت. ونحن نمر بهذه المرحلة حوالي ٥ مرات في اليوم إن نمنا لمدة ٧ إلى ٨ ساعات. خلال مرحلة النوم هذه، يكون دماغنا نشطاً جداً، إلا أننا نكون في حالة شلل النوم، فلا نستطيع أن نتحرك. على ما يبدو، في هذا الوقت من الليل، يقوم دماغنا بمعالجة المعلومات، وتثبيت الذكريات، ومحاولة إيجاد الحلول لمشاكلنا، إلخ.
بالنسبة إلى التجارب المزعجة، وتماماً كما هي عليه الحال بالنسبة إلى الآلات، تكتظّ أدمغتنا فنعجز عن العمل بشكل سليم. ونتيجة لذلك، تستمر الأحداث المزعجة بترك تأثيرها السلبي علينا، بطرق مختلفة. فتصبح بمثابة الحمل الثقيل الذي نحمله على أكتافنا، حمل يصعب تحمّله، حمل يؤثر بشكل سلبي على حياتنا اليومية. فيبدو وكأن هناك جهاز إنذار يعمل كلّما تذكرنا حدثاً معيناً. ويمكن لهذا الحدث أن يظهر كلما صادفنا أي أمر شبيه به أو مرتبط به من قريب أو بعيد.
خذوا لحظة للتفكير بذكرى سيئة جداً مرت بحياتكم.
فكّروا بها للحظات.
إجروا مسحاً ذهنياً لجسمكم وحدّدوا تأثيره الجسدي.
إن كانت هذه الذكرى لا تزال تحرك شعوراً جسدياً بالانزعاج في جسمكم، فهذا دليل أكيد على أنكم لم تتخطوا هذه المشكلة بعد، وبأنكم لم تشفوا منها بعد. أما إن لم تعانوا من أية آثار جسدية، فهذا أمر رائع! إذ تمكن دماغكم من النجاح في تخطي هذه المشكلة. والآن، عودوا بالذاكرة إلى الماضي، وتذكروا أفضل ذكرى مرت بحياتكم قبل أن تستمروا بالقراءة (لا أريدكم أن تعلقوا في الذكريات السيئة).
يقال بأن الجسم يدوّن سجلات لما يحدث. فإن لم يصار إلى معالجة الذكريات السلبية بشكل ملائم، تبقى مخزنة بشكلها الأساسي، أي كما حصلت في المرة الأولى. وبما أنها لم تدمج بذكريات أكثر قوة في شبكة ذاكرة الدماغ، فهي تترك أثرها السلبي في نظامنا. فحين يحدث الحدث المثير للتوتر، يخلق اعتقاداً سلبياً، أو تقييماً سلبياً للذات. فعلى سبيل المثال، يطور الشخص الذي تعرض للاعتداء اعتقاداً مفاده “أنا لست بأمان”، والشخص الذي تعرّض للتنمّر “أنا لست جديراً”. ويرتبط هذا المعتقد السلبي بتلك الذكرى، ما يعيق الشخص عن التقدم والمضي قدماً في حياته بطريقة سليمة. إذ لا يمكن للمرء أن يبلي بلاء حسناً في حياته إن كان يملك صورة سلبية عن ذاته.
وفي هذا الإطار، يستطيع الأخصائي المتخصص في تقنية الـEMDR مساعدة الشخص الذي يتلقّى العلاج، على إنزال الحمل عن كتفيه عبر التخلص من هذه الذكريات الواحدة تلو الأخرى. ويطلب من الشخص الذي يتلقى العلاج أن يركز على الذكرى المزعجة وعلى كل عناصرها المترابطة (الصور، المعتقدات السلبية، المشاعر والأحاسيس). بعدها، يطلب من الشخص اتباع حركة إصبعه مع تحريك عينيه من جهة إلى أخرى لمدة نصف دقيقة، والتبليغ عن التغييرات البسيطة التي يعيشها. ويكون الأمر أشبه بدفع الدماغ للبدء بالعمل على هذه الذكرى لشفائها. ويتم تكرار عملية تحفيز الدماغ الثنائية إلى أن يتوقف الشخص عن الشعور بالانزعاج الجسدي عندما تراوده هذه الذكرى. وعندها، نعرف بأن الذكرى قد عولجت وقد بدا انتقال نحو نظرة أكثر إيجابية حيال ما يحصل.
ونتيجة لذلك، يحصل تعلّم جديد يقوي نظام معتقدات أكثر إيجابية لأنه يرتبط بذكريات باتت أكثر تمكيناً. تجدر الإشارة إلى أن حركة العين ليست السبيل الوحيد لإطلاق الآلية المناسبة لشفاء التأثير العاطفي للذاكرة. وفي هذا الإطار، يستعمل أخصائيو هذه التقنية تقنية سمعية وحسية ثناية تحدث التأثير نفسه. فضمن مفهوم
فضمن مفهوم الـEMDR، لا يسألك الأخصائي “ما خطبك”، بل يسألك “ماذا جرى لك”، وقد يرغب العميل بالتعامل مع مشكلة واحدة أو أكثر. فلكل مشكلة تاريخها ضمن سلسلة أحداث الحياة التي جرت في المرحلة عينها. وهناك طرق كثيرة للبحث عن هذه الأحداث، والربط فيما بينها ضمن محاور ومعالجتها بحسب أولويات العملاء.
وهناك أيضاً تركيز على الماضي؛ القضاء على الآثار المتعلقة بالمحفزات الحالية وتحضير العميل وتزويده بتقنيات أفضل للتعامل مع المستقبل. وحين نفكر بالأشخاص الذي يواجهون صعوبات إجمالا ويعانون من حالات مثل الاكتئاب، القلق، حالات الهلق، الخوف، مشاكل على صعيد الثقة بالنفس، مشاكل علائقية، إلخ، والتي غالباً ما ينتج عنها خبرات حياة مزعجة. فاستخدام تقنية الـEMDR لحل هذه المسائل بشكل شامل يخلف لدى العملاء إجمالاً شعوراً بالتحول نحو نسخة أكثر تمكيناً من ذواتهم.
تجدر الإشارة إلى أنه من المهم جداً لمن يسعى للتعامل مع مشاكله وحلها، السعي لإيجاد أخصائي متمرس فعلاً في تقنية الـEMDR. فهي ليست تقنية يكتسبها المرء خلال دورة تدريبية لساعة أو اثنتين، بالرغم من أن مثل هذه المقررات تقدم بهذه الطريقة بغاية الربح المادي فحسب. أما الأخصائيين المؤهلين، فيخضعون لدورة تدريبية تمتد على نحو سنة ونصف. وينتقلون من خلال تدريبهم إلى مستويات أكثر تقدماً بإشراف مستشارين في الـEMDR، لصقل مهاراتهم.
في النهاية، نقول بأن تقنية الـEMDR ليست تقنية يسهل على الأخصائيين في علم النفس وسواهم من الأخصائيين ممارستها. ولأننا لا نعرف ما الذي يخبؤه المرء، وما هي الصدمات الكامنة التي قد تظهر خلال عملية العلاج، فوحدهم أخصائيو العلاج النفسي العياديون المجازون قادرون على معالجتها. ومن هنا، وللحفاظ على سلامتكم، ننصحكم بأن تقصدوا الشخص المختص لتكونوا بأيد أمينة حين تبدأون بإزالة الحمل عن كتفيكم.