أصبحت اليقظة الذهنية في أيامنا هذه عبارة شائعة نسمعها في كل مكان وعلى لسان العلماء والمعالجين والمدربين وحتى المدرسين الذين ينصحون باللجوء إليها وممارستها والعيش بعقلانية.
ما هي اليقظة الذهنية؟ هل هي مصطلح جديد؟ هل هي عبارة القرن الـواحد وعشرين؟ هل هي عبارة رائجة ستُفنى مع الوقت؟ وكيف تساعدنا في العمل؟
في الواقع، مارس الناس اليقظة الذهنية لآلاف السنين سواء على الصعيد الشخصي أو كجزء من عادات واسعة النظاق.
اقتُبست اليقظة الذهنية عن الممارسات البوذية وهي متوفرة اليوم للجميع كممارسة علمانية بالكامل تركز على الحد من التوتر وتعزيز التركيز والهدوء.
يمكن أن يُعزى جزء كبير من شعبية اليقظة الذهنية اليوم في العالم الغربي إلى عمل الطبيب كابات زين الذي أسّس مركز اليقظة الذهنية في كلية الطب في جامعة ماساتشوستس. ويعرّف اليقظة الذهينة على أنها الوعي الذي ينشأ من الاهتمام، عن قصد، في الوقت الحاضر وبدون حكم (Kabat-Zinn، فيPurser ، ٢٠١٥). فضلا عن الوعي، ينصحنا الطبيب كابات زين بتركيز إهتمامنا الواعي على الوقت الراهن واللحظة الآنية.
نملك جميعًا القدرة على أن نكون حاضرين تمامًا وأن ندرك ما نحن فيه وماذا نفعل وألا نبالغ في ردود الفعل حول ما يحدث حولنا. ويمكننا تنمية هذه القدرة على الإنتباه بإستخدام التقنيات التي أثبتت جدواها أثناء التنقل أو المشي أو الجلوس أو الوقوف خلال فترات راحة قصيرة يمكننا إضافتها إلى حياتنا اليومية.
وعندما نكون مدركين يمكننا إكتساب الوعي والأفكار حول عقولنا وتخفيف التوتر وزيادة تركيزنا وإبداعنا وآدائنا ونصبح أكثر إهتمامًا برفاهية الآخرين. إنها تتيح لنا أن ننظر إلى المواقف من منظور عقلاني وهادئ ومن دون اللجوء إلى حكم مسبق مما يساعدنا دائمًا على التوصل إلى قرارات أفضل.
كيف نستفيد من اليقظة الذهنية في العمل؟
تخفيف التوتر
نقضي أكثر من ٥٠٪ من وقتنا سواء في العمل أو التعامل مع مشاكل العمل أو التفكير في العمل في حين أن أكثر من ٥٠٪ من ضغوطنا اليومية ناتجة عن العمل. ويتبعنا في كثير من الأحيان هذا التوتر المرتبط بالعمل إلى المنزل ويؤثر على علاقتنا مع عائلتنا وأصدقائنا. هذا إضافة إلى رسائل البريد الإلكتروني والمحادثات ورسائل مواقع التواصل الاجتماعي المتعلقة بالعمل والتي تميل إلى تعبئة أوقات فراغنا.
ويمكن أن تساعدنا ممارسة اليقظة الذهنية في العمل على إدارة توترنا وتحسين التواصل والعمل الجماعي وتنمية الإحساس بالآخرين وبالتالي تجعل مكان عملنا أكثر أمانًا من الناحية النفسية.
رفع نسبة التركيز
وفق علم الأعصاب، يمكن أن تعزز ممارسة اليقظة يوميًا مساحة الدماغ التي تنظم إنتباهنا. غالبا ما يتشتت تفكيرنا عندما نقوم بعمل ما إذ نفكر بإنتظام في المهام الأخرى التي ما زلنا بحاجة إلى إتمامها. ونحن لا ننفك نراقب مواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيق الواتساب أو بريدنا الإلكتروني. وهنا تساعدنا اليقظة الذهنية على العودة إلى الوقت الحاضر ومتابعة ما كنا نقوم به.
تعزيز التفكير الإبداعي
تتم إدارة التفكير الإبداعي والإفتراضي وحل المشاكل ووضع الإستراتيجيات والرؤية بواسطة جزء من الدماغ يدعى القشرة المخية الحديثة. لن تصل الفكرة إلى القشرة المخية الحديثة لتطبيقها إلا عندما نكون هادئين ومتوازنين عاطفياً وبعيدين عن التوتر وليس في وضعية القتال أو الطيران. ويمكن أن تؤدي ممارسات اليقظة الذهنية إلى تحفيز الدماغ الإبداعي والقشرة المخية الحديثة وتحسين الذكاء العاطفي بحيث يمكن لأفكارنا أن تتدفق مباشرة إلى القشرة المخية الحديثة لتطبيقها.
هذا هو السبب في أن الكثير من المؤسسات تدرب موظفيها على اليقظة الذهنية لتعزيز الحد من التوتر ورفع الإنتاجية والمشاركة. ولكن إذا كنت لا تعمل في مؤسسة مثل Apple أو Ford أو General Mills أو Facebook أو Nike فيمكنك البدء بسهولة من خلال ممارسة نصائح اليقظة الذهنية وجعلها جزءًا منظمًا من نمط حياتك اليومي.
ممارسات اليقظة الذهنية في العمل:
الأساس
عندما تصل إلى عملك وتجلس على مكتبك، خذ بضع لحظات لتثبّت نفسك على الأرض من خلال وضع قدميك بشكل مسطح على الأرض. ركز على باطن قدميك واشعر بالأرض تحتهما. ويساعدك تلامس قدميك مع الأرض على الابتعاد عن وأفكارك للحظة والاتصال بالأرض.
التواصل
وبعد ذلك حدد هدفًا ليومك، وقد لا يرتبط بمهامك بالضرورة فقد ترغب في التخلي عن التوتر في ذلك اليوم أو التركيز أكثر على سبيل المثال. وقم بتدوين الهدف في مكان يمكنك رؤيته وقبل أن تبدأ بأي مهمة خذ وقتك للتواصل مع نفسك ومع هدفك حتى تتماشى معه طوال اليوم.
التنفس الواعي
اجلس بشكل مستقيم وضع ذراعيك على جانبي كرسيك أو في حضنك.
خذ نفسًا بطيئًا من أنفك واخرجه من بطنك السفلي مع العد إلى ٥.
احبس أنفاسك لمدة ٣ ثوان.
أخرج النفس من فمك مع العد إلى ٥.
كرر لمدة دقيقة واحدة على الأقل.
إستخدم هذه التقنية في أي وقت في خلال اليوم وقبل النوم وكررها. وستتحول هذه التقنية مع مرور الوقت إلى عادة مميزة تساعدك على تحسين معدل الأكسيجين في جسمك وعقلك والإسترخاء والتركيز. إنها الخطوة الأولى نحو التأمل.
الإستماع بعقلانية
عندما تسمع بعقلانية، يجب أن تصبّ تركيزك بالكامل على الشخص الذي يتحدث من دون أي لهو أو ردود فعل عاطفية أو جسدية على كلامه. إن لم تكن عقلانيا، فإن إهتماماتك وأفكارك قد تشغلك. مارس بعض تقنيات الإسترخاء مثل التنفس العميق لصفاء ذهنك قبل حضور أي إجتماع إذا كانت لديك فرصة للقيام بذلك.
المراقبة العقلانية
عند شعورك بالغضب أو القلق أو الحزن، توقف وراقب مشاعرك وحدد أي جزء من جسمك يشعر بها. حدد طبيعة مشاعرك وحاول إكتشاف مصدرها وكن لطيفًا وحنونا مع نفسك وفكر في تدوين تجاربك في دفتر يمكنك مراجعته بإنتظام لمراقبة تقدمك. ويمكنك تدريب نفسك على تحديد الأسباب الأساسية من خلال الممارسة المنتظمة حتى تتمكن من إيجاد حلول دقيقة.
تناول الطعام بعقلانية
أثناء تناول الطعام، ركز على الطعام فحسب وانتبه على ما تأكله، وعلى ملمسه وألوانه وإلى كل لقمة تمضغها. تذوق وتلذذ بكل لقمة من وجبتك.
التفاعل العقلاني
هل أنت منزعج من زميلك؟ خذ ثلاث أنفاس واعية وحاول أن تضع نفسك مكانه. هل يمكنك الإستماع بعقلانية إلى وجهة نظرهم؟ هل تستطيع أن تظهر التعاطف والتفهم؟ هل يواجه مشكلات شخصية؟ بإمكانك تغيير ردود أفعالك عندما تدرك أن الناس لا يضايقونك عن قصد. وتمتلك القدرة على النظر إلى كل موقف من وجهات نظر مختلفة.
التصور
عندما تشك بنفسك أو عندما لا يمر اليوم بالطريقة التي خططت لها، يعتبر التصور أحد أساليب اليقظة الذهنية التي يمكن أن تساعدك على إعادة تقييم ما يدور حولك والشعور بمزيد من الإيجابية والمضي قدمًا. ما عليك سوى أن تغمض عينيك وتصور كل الأشياء الرائعة التي أنجزتها حتى الآن وكل إنتصاراتك وكل ما تفتخر به. ركز على ذلك وخذ نفسًا عميقًا واشعر بالأحاسيس في جسمك وابتسم. راجع نفسك الآن، واشعر بالفرق.
التأمل
هناك طريقة أخرى سهلة لممارسة اليقظة الذهنية وهي إستخدام تطبيق تأمل مثل Headspace أو Insight Timer . يمكنك التأمل في أي مكان هادئ لا يمكن أن يتشتت به إنتباهك بما في ذلك مكتبك. وعندما يكون لديك إستراحة قصيرة أو عندما تشعر بالإجهاد أو الإرهاق، ضع السماعات وأغمض عينيك واتبع التعليمات. من المؤكد أنك ستواصل يومك براحة أكبر وإنتعاش عقلي.
تعتبر ممارسة اليقظة الذهنية في العمل طريقة بسيطة وقوية لتحقيق التركيز والتقليل من التوتر وتحسين الأداء وتحقيق المزيد من التوازن في حياتك.
هل تمارس اليقظة الذهنية في العمل بطرق أخرى؟ يسعدنا الاطلاع على خبرتك في قسم التعليقات أدناه!