فيما نختبر تحوّلات في حياتنا ونخوض تغيّرات، سواء أكان ذلك على الصعيد الموسمي أو الشخصي، قد تعترينا مشاعر معينة مثل القلق وعدم اليقين. وبالنسبة لعدد من البالغين الشباب، قد يكون السعي للتكيّف مع الضغوط مرهقاً للغاية. ومع ذلك، وعوضاً عن الاكتفاء “بالتعامل” مع هذه المشاعر، يمكننا استخدامها كدليل لاكتشاف معنى أكثر عمقاً. باعتباري عالمة متخصصة في اكتشاف المعنى والهدف، أساعد البالغين الشباب على المرور بهذه التحولات بسهولة عبر تنظيم عواطفهم وتوضيحها. وفي هذه المقاربة، أطبق العلاج بالتوجه نحو المعنى (Logotherapy) لفكتور فرانكل بغية السعي، ووسط موجة التغيير، للتواصل مع الهدف. في هذا المقال، سنستعرض معاً سبل إدارة التحديات العاطفية التي نختبرها أثناء المراحل التحولية من حياتنا، بغض النظر عن طبيعة هذه التحولات، وذلك عبر استخدام العلاج بالتوجه نحو المعنى لفكتور فرانكل والتواصل مع الهدف الأعمق والمعنى الأسمى.
لِم ينجم عن التحوّلات أو التغيرات مشاعر قوية
التحوّلات تتحدى المألوف. فسواء أكان ذلك الانتقال إلى مكان جديد، أو بدء وظيفة جديدة، أو مواجهة تغييرات في العلاقات، غالباً ما يثير ترك الأمور القديمة وراءنا في داخلنا مشاعر قوية. ومن المتوقع الشعور بالقلق أو الإرهاق من المجهول، إذ قد تعتريكم مشاعر مثل التوتر، والخوف، والإثارة وتتقاذفكم في اتجاهات مختلفة.
فالمفتاح أو الحلّ الأمثل يقتضي عدم قمع هذه المشاعر، بل فهمها وتنظيمها. فالمشاعر هي إشارات للنمو، والتغيرات هي فرص للتفكير، وإعادة التوجيه، واكتشاف الهدف من التغيرات التي تحدث من حولكم.
كيف يسهم العلاج بالتوجه نحو المعنى في إدارة المشاعر أثناء التحولات الحياتية
يقدم العلاج بالتوجه نحو المعنى لفكتور فرانكل خريطة طريق لإدارة المشاعر خلال الأوقات الصعبة. إن إيمانه بأنه يمكننا دائمًا العثور على معنى في أي موقف نواجهه، وبغض النظر عن مدى صعوبته، يمكن أن يسهم في منحنا شعوراً بالتوازن حين تملأ الفوضى حياتنا. فيما يلي ثلاثة مبادئ رئيسية من العلاج بالتوجه نحو المعنى لإدارة مشاعرنا أثناء التحولات الحياتية التي قد نمرّ بها:
- حرية اختيار رد الفعل علمنا فرانكل أن هناك مساحة بين المحفز (ما يحدث لنا) ورد فعلنا. في تلك المساحة، لدينا حرية اختيار ردّ فعلنا. عندما نواجه تغييراً ما أو تحولاً معيناً، فقد لا نتمكن دائمًا من التحكم في الموقف، ولكن يسعنا التحكم بكيفية استجابتنا مع هذا الموقف. ويشكل هذا الاختيار أساس تنظيم عواطفنا، ما يمكننا من إدارة تأثير مشاعرنا علينا. نصيحة: عندما تشعرون بالإرهاق من التغيير، توقفوا للحظة واطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: كيف أريد أن أستجيب لهذا الوضع؟ خذوا لحظة للتنفس والتفكير قبل الرد، إذ يساعدكم ذلك على اختيار رد فعل يتماشى مع قيمكم.
- تحديد المعنى الحقيقي وراء شعوركم بالانزعاج عند الشعور بالانزعاج، يحاول عدد من الأشخاص دفع هذا الشعور بعيدًا. ومع ذلك، كان فرانكل يعتقد أن المعاناة والتوتر ليسا مجرد تحديات يجب تحملها، بل هما أمران يحملان معنى في حد ذاتهما. وغالبًا ما يشير الانزعاج الناتج عن التحول الحياتي إلى نموّكم وتطوّركم. لذا، وبدلاً من مقاومة مشاعر عدم اليقين، يمكنكم أن تتعلموا منها وتستخدموها كخطوة نحو فهم ذاتكم. نصيحة: فكروا فيما تعلمكم إياه مشاعركم. ماذا يكشف هذا التغيير عن قيمي؟ كيف يمكنني التعلم من هذه اللحظة؟ فإيجاد معنى في الانزعاج الذي نشعر به قادر على التخفيف من التوتر العاطفي.
- اجعلوا هدفكم مرساة لكم حين تشكّون في كل ما حولكم، اجعلوا هدفكم بمثابة مرساة تستندون إليها. فامتلاك شعور واضح بالسبب وراء التحول، سواء أكنتم تسعون إلى امتهان مهنة جديدة، أو تبحثون عن النمو الشخصي، أو تدخلون مرحلة جديدة من حياتكم، قادر على تهدئة اضطراباتكم العاطفية. فحين تجدون الصورة الأكبر تقدّمون لأنفسكم سببًا يدفعكم لتحمل الانزعاج ويحثّكم على الحفاظ على توازنكم العاطفي.
نصيحة: خلال التغييرات الكبرى التي تطرأ على حياتكم، اطرحوا هذا السؤال على ذاتكم، وقولوا “لماذا”؟ ما هو الهدف الذي تصبون إليه في هذا الفصل الجديد من حياتكم؟ ذكروا أنفسكم بهدفكم، فذلك من شأنه مساعدتكم على الحفاظ على توازنكم العاطفي.
نصائح عملية للتكيف مع التحولات الحياتية من خلال التحكّم بعواطفكم
فيما تعبرون مرحلة التغيير هذه، إليكم بعض الطرق العملية للتحكم بمشاعركم واكتشاف المعنى:
- الاعتراف بمشاعركم تتمحور الخطوة الأولى في تنظيم العواطف حول التعرف على مشاعركم. سواء أكنتم قلقين، مضطربين أو محبطين، فإن السماح لأنفسكم بتجربة هذه المشاعر من دون أن تحكموا على أنفسكم يساعدكم على معالجتها من دون أن تشعروا بالإرهاق.
- ممارسة اليقظة الذهنية اليقظة الذهنية هي أداة قوية لربط أنفسكم باللحظة الحالية. عندما تشعرون بتراكم التوتر، خذوا بضع دقائق للتنفس بعمق وتركيز انتباهكم على اللحظة الحاضرة. فاليقظة الذهنية تحدّ من ردود الفعل العاطفية المفرطة وتساعدكم على التركيز على ما هو أهم.
- تحويل تركيزكم أحيانًا، يمكن أن يساعد التركيز على شيء أكبر من أنفسكم في التخفيف من حدّة التوتر. ابحثوا عن الفرص لمساعدة الآخرين أو الانخراط في قضية أكبر خلال هذه الفترة الانتقالية من حياتكم. فتحويل انتباهكم بعيدًا عن القضايا الفورية يمكن أن يوفر لكم الراحة وإحساسًا أعمق بالهدف.
خلاصة: اربطوا التغيير بهدف فتخففوا من وطأته
تعدّ التحولات الحياتية أو التغييرات جزء طبيعي من الحياة. وعلى الرغم من أنها قد تثير مشاعر قوية، إلا أنها توفر أيضًا فرصة للنمو والتحول. فعبر توجيه عواطفكم وفهم معنى مشاعركم، يمكنكم خوض غمار هذه التحولات بثقة ووضوح. لا تخشوا الانزعاج الذي تشعرون به أثناء مراحل التحول؛ فهو دليل على النمو والبدايات الجديدة. تقبّلوا التغيير واكشفوا النقاب عن الهدف الذي ينتظركم في هذه المرحلة الجديدة من حياتكم.