كيف ترون السلام؟ كيف تسعون للسلام؟ ما الذي ستبذلونه لإيجاد السلام؟
منذ نشأتي، لمست بأن كل إنسان يسعى لإيجاد السلام في حياته. ومنذ ذلك الحين، بات العالم بحد ذاته يتعطش للسلام.
ولكن، ما السبب وراء ذلك؟
لِم يصعب على المرء أن يشعر بالسلام؟ لِم بات السلام حلماً صعب المنال؟ ولِم فقدنا السلام منذ الأساس؟
أسئلة كثيرة تبقى معلقة بانتظار إجابات عليها.
وفيما تترابط الأمور جميعها، إلا أن إيجاد الإجابة الصحيحة على السؤال الأخير، سيوفّر علينا الكثير من الوقت والطاقة، وسيضعنا على المسار الصحيح لكي نتمكن أخيراً من فهم تبعات فقدان السلام ويؤهّلنا لإيجاد الطريقة الأمثل للتعامل مع كل منها.
قبل البدء، أودّ أن أطلب من كل واحد منكم، أن يغلق عينيه ويأخذ نفساً عميقاً، ويصفّي ذهنه، ويهدىء من روع قلبه، ويرخي جسمه، ويحاول أن يسافر في الوقت إلى تلك اللحظة التي كان يشعر فيها بسلام تام مع ذاته:
- أين كنتم؟
- من كان معكم؟
- ماذا كنتم تفعلون؟
- كيف بدوتم؟
- بِم شعرتم؟
- بِم فكّرتم؟
والآن، وفيما تبقون عينيكم مغلقتين، حاولوا أن تتذكروا ما الذي أفقدكم هذا الشعور بالطمأنينة والسكينة؟
ما الذي سبّب هذا الانقطاع؟
- هل تعرّضتم لحادث مؤسف؟
- هل وجّه إليكم أحدهم كلاماً مسيئاً؟
- هل سمعتم تقييماً سلبياً؟
- هل واجهتم نكسة غير متوقعة؟
- هل عانيتم من خسارة مفاجئة؟
إن تحديد السبب الأساسي وراء فقدان السلام هو حتماً أمر هام، إلا أنه ليس كافياً لوحده.
فخسارة السلام الداخلي، ليس الضرر الفعلي. في الواقع، إنه نتيجة تراكم معتقد أو عدد من المعتقدات التي تقيّد الذات وتكبّلها، معتقدات ناجمة عن خبرات ماضية، وميل لحماية الذات من الشعور بالألم في المستقبل ولو كان ذلك على حساب منعكم من تحقيق قدراتكم الكاملة، ما يؤدي في النهاية إلى أذية روحكم وذاتكم الداخلية.
فلنفترض بأنكم عجزتم عن تحقيق التزام معيّن.
ما هي المعتقدات الخاطئة التي قد تكون قد تكوّنت لديكم في مثل هذه الحالة؟
- أنا غير أهل للثقة.
- أنا شخص غير مسؤول.
- لقد فقدت مصداقيتي.
- لقد فقدت فرصتي الوحيدة لأثبت نفسي.
- أنا لا أستحقّ أن أجد نفسي مجدداً في هذا الموقع.
تكفي هذه المعتقدات وحدها لحرمانكم من السلام الداخلي. وبالتالي، تمضون حياتكم متوترين بسبب ما حصل في الماضي، وقلقين بسبب ما قد يحصل في المستقبل. ومن هنا، تبدأون بتحديد أنفسكم استناداً إلى هذه المعتقدات، فتصبح هويتكم وواقعكم.
لكي تتخطوا المعتقدات التي تكبّلكم، عليكم أن:
- تصغوا إلى أفكاركم.
- تحدّدوا أنماطكم.
- تدققوا فيها.
- تعيدوا النظر فيها.
فهذه العملية تساعدكم على:
أولا، أن تدركوا تماماً ما حصل:
- ما هي الأمور التي كانت تحت سيطرتكم؟
- ما هي الأمور التي كانت خارجة عن سيطرتكم؟
- ما هي الدروس التي تعلّمتموها؟
ثانياً، أن تتقبلوا ما حدث عبر الاعتراف بضعفكم كبشر، والإقرار بأنه من حقّكم ألا تكونوا كاملين.
تجدر الإشارة إلى أن المعتقدات المكبّلة للذات أو المقيّدة تبدأ بالتطوّر في سنّ مبكرة. ومن أفضل الطرق لتحديدها هو اكتساب وعي للذات وتعزيزه.
بحسب علماء اليوغا، لا يمكن رؤية الانعكاس في الماء الجارية، بل في الماء الراكدة.
ممارسة اليقظة الذهنية يمنح الفكر المجال لاكتشاف ذاته، والتنبّه إلى الأفكار والأحاسيس من دون أحكام، وإعادة التركيز على اللحظة الحاضرة.
فالتأمّل تقنية من أفضل التقنيات المستخدمة لممارسة اليقظة الذهنية.
ويكمن جمال هذه التقنية في أنها شخصية للغاية، ولا تحدّها أي قواعد ولا تحكمها أي أساليب.
فالهدف منها هو الانفصال عن العالم الخارجي، بحيث نتواصل مع عالمنا الداخلي، ونقضي وقتًا مريحًا برفقة ذواتنا.
لممارسة اليقظة الذهنية، يمكننا أن نختار:
السير في الطبيعة | الصلاة | مطالعة كتاب | الاصغاء إلى الموسيقى | كتابة المذكّرات | الرسم | الرقص | ممارسة الرياضة | الجلوس بصمت | التأمل | الاستحمام | قيادة السيارة | المشي | التخييم | الهرولة.
فاليقظة الذهنية تمنحنا الهدوء والوضوح الذي نحتاج إليه لنتواصل مع حقيقتنا وقيمنا، ونحرّر قيمتنا من آراء الآخرين ومن النظرة التي يكوّنونها عنّا.
ستعيشون بسلام حين تدركون بأنكم تحدّدون أنفسكم. لا يحق للعالم والناس بأن يحدّدوكم.
وأخيراً، وليس آخراً، سيبقى السلام في العالم حلماً ما لم نحقّق السلام الداخلي في ذواتنا. نحن العالم، والسلام في العالم يبدأ منّا، وفينا ومعنا!