هل سبق أن كسر أحدهم قلبكم، خان ثقتكم أو خيّب أملكم بأي طريقة من الطرق؟
أراهن على أن سؤالاً من هذه الأسئلة على الأقلّ قد أعاد إلى ذاكرتكم بعض الذكريات السيئة. إن كان الأمر كذلك، أتوجّه منكم بأخلص الاعتذارات، إلاّ أننا لا زلنا في مستهلّ الموضوع.
والآن، أطلب منكم أن ترتاحوا للحظة، تأخذوا نفساً عميقاً، تصفّوا ذهنكم، تهدئوا قلبكم، وتفكّروا بالمشاعر التي خالجتكم.
أتشعرون بالغضب، والإحباط، والقلق، والخوف أو حتى الامتعاض؟
بغضّ النظر عن شعوركم، إياكم وأن تحاولوا كبت هذه المشاعر. بل على العكس، احرصوا على الاعتراف بها، وتقبّلها، وراقبوا كيف تؤثر على جسمكم، ومزاجكم وسلوككم.
فمشاعرنا، ولاسيما السلبية منها، مصمّمة لتكون مراسيل غاية في الأهمية. فهي قائمة لسبب جيد! إذ أنها تهدف إلى مساعدتنا على أن نتنبّه للأحداث التي تسبّبت بها.
ومن هنا، فإن تفاديها، ونكرانها أو حتى تجاهلها من شأنه أن يولّد مزيداً من التوتر، ويؤدي إلى الكثير من المشاكل الصحية حين تصبح مزمنة، فتضعف نظام المناعة في جسمكم.
أما إن قررتم تخطّي هذه المشاعر، فأنتم تختارون أن تختبروها مرة تلو الأخرى. وبالتالي، فإنّ أي حدث مشابه، أو وضع مماثل أو محادثة من شأنها إعادة تحريكها لأنكم لم تتعاملوا معها بشكل كامل في اللحظة المناسبة، بل سمحتم لهذه المشاعر بأن تخترق نظامكم.
والآن، أريدكم أن تفكّروا بالعبارة التالية: “وحدهم الأشخاص الذين تعرّضوا للأذى يؤذون الآخرين”.
والآن، خذوا نفساً عميقاً مرة أخرى، وفكّروا بشعوركم. ما هي الافكار التي تخطر ببالكم؟
عبر تخصيص الوقت للتفكير بذلك، وفيما تحاولون أن تضعوا أنفسكم مكان الآخرين، فأنتم ستفهمون حينها بأن معظم الأعمال السيئة، والسلوكيات، أو الأحكام الخاطئة التي تعرّضتم لها في حياتكم لم تكن موجّهة ضدكم كشخص. فبالنسبة إلى المسيئين إليكم، أنتم مجرّد أداة للتنفيس عن ألمهم المدفون والتعبير عنه.
بعبارة أخرى، أنتم تصبحون ضحايا لضحية أخرى.
لا تسيئوا فهمي، فأنا لا أبرّر لأحد تصرّفه بطريقة سيئة، بل أسعى إلى مساعدتكم على النظر إلى هذه الأحداث المؤلمة من منظار آخر، فيتسنى لكم تفسيرها بشكل موضوعي، عبر وضع أنفسكم في موضع قوي، عوضاً عن أن تكونوا عاجزين أو يائسين.
وما إن تصلوا إلى المرحلة حيث تعترفون بالماضي، وتقبلونه وتنظرون إليه بموضوعية، تصبحون جاهزين للمسامحة والمضي قدماً.
فمسامحة الآخرين هو سبيلكم نحو الشفاء الروحي، والفكري والجسدي.
وتذكروا بأنّ المسامحة لا تعني النسيان. عليكم أن تتذكروا دوماً الخبرات السيئة، وتتقبلونها، وتستخدمونها لتتعلموا منها، وتنموا وتتطوروا.
فالمسامحة هي أن تمنحوا أنفسكم الوقت والإذن لتتقبلوا نواقص هذا العالم وشوائبه، وأن تخلّصوا أنفسكم من الاحقاد السابقة ومن مرارتها، وأن تعيدوا السلام إلى حياتكم وتتطلّعوا للفرص الجديدة التي قد تقدّمها لكم الأيام المقبلة.
وأخيراً، تذكروا بأننا جميعنا، ومن دون أي استثناء، عرضة لارتكاب الاخطاء، لذا، فنصيحتي لكم هي:
سامحوا أنفسكم ولا تسمحوا لماضيكم بأن يحدّدكم.
سامحوا الآخرين ولا تسمحوا لماضيهم بأن يحدّدكم.