يشهد عالمنا الغربي اليوم، نسبة مرتفعة من القلق يعتبره البعض توترًا فيما يعتبره البعض الآخر تعاسة. ويعاني الكثير من بعض أشكال عدم التوازن أو عدم الراحة من دون القدرة على تسميتها بأسمائها.
وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من القلق والاكتئاب بشكل كبير وخصوصًا في البلدان المتقدمة ومازال يشهد ارتفاعاً مضطّرداً. فعلى سبيل المثال، يؤثر التوتر الناتج عن العمل على أكثر من ثلاث مليارات شخص في جميع أنحاء العالم وقد صنفت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا الإرهاق والتوتر المرتبطين بالعمل على أنهما مرضان.
يبدو جلياً وواضحاً بأنّ متطلبات مجتمعنا المعاصر المترابط بشكل واضح قد تخطّت قدرتنا على التعامل مع الأمور، فالكثير منا غارق ويعاني من التوتر المزمن وهو على إستعداد مباشر لشن هجوم في أي وقت من الأوقات. بطبيعتها، تعجز أجسادنا عن الحفاظ على هذه الحالة لفترة طويلة جدًا ولذلك غالبًا ما ندافع عن أنفسنا عن طريق المبالغة أو الإفراط في تناول أي شيء أو القيام بأي عمل من شأنه أن يحدّ هذا الشعور، فترانا نلجأ إلى الكحول، الطعام، الإنترنت، الجنس، مواقع التواصل الاجتماعي، التسوق، التلفاز، العمل، الأدوية ، إلخ. وبذلك، نتجاوز الروابط العصبية القائمة ما بين أجسادنا وعقولنا عبر الاعتماد على هذا التخدير المرضي.
صحيح أن آليات التخدير التي نعتمدها قد تؤدي إلى راحة مؤقتة، إلا أنها لا تعالج الأسباب الكامنة. فعلى سبيل المثال، يمكننا أن نأخذ مسكنات الألم للحدّ من الشعور بالانزعاج، إلا أن ذلك لا يعالج السبب الأساسي للألم. وعندما نتجاهل الألم لفترة طويلة، يفقد جسمنا القدرة على التحمّل ويوجّه إلينا رسالة عبر الإنهيار لكي يلفت إنتباهنا إلى ضرورة الإسراع لمعالجة المشكلة. والأمر عينه ينطبق على الإرهاق، الذي يشكّل صرخة باطنية للجسم طلباً للحصول على المساعدة.
تعلموا الاستماع إلى جسمكم
يشعر جسمنا بمختلف الحالات العاطفية التي نمرّ بها، إذ يتحرك ذكاؤنا وغريزتنا لتحديد هذه الأحاسيس. فكروا في بعض العبارات التي نستعملها مثل “لقد آلمتني هذه التجربة في صميم قلبي” أو “انقبضت معدتي لدى سماعي هذه الأخبار هذا الصباح” والتي تشير إلى أعضاء جسمنا التي تأثرت بعواطفنا.
ومن هنا، علينا أن نتعلّم كيف نضبط إنزعاجنا حتى نتمكن من التخلص منه. وفي هذا الصدد، ستساعدكم التقنيات المذكورة أدناه على إقامة الرابط ما بين حالاتكم العاطفية والجسدية وتحديد الرابط القائم حتى تتمكنوا من اتخاذ خطوات لمعالجة السبب الأساسي للمشاكل العاطفية والجسدية.
جرّبوا هذه التقنيات الثلاث البسيطة
في الصباح
كل صباح، خصصوا دقيقة واحدة للجلوس وعينيكم مغلقتين. خذوا شهيقاً وزفيراً لأكثر من مرّة، ثم اطرحوا على أنفسكم هذه الأسئلة الثلاثة:
- كيف يشعر جسمي اليوم؟
- ما هي العواطف التي تعتريني اليوم؟
- ما الذي يدور في ذهني اليوم؟
مسح لكامل الجسم في المساء كلّ يوم
قبل الخلود إلى النوم، خصّصوا بعض الوقت لجسمكم واجروا مسحاً له فيما تستلقون في السرير. إنها طريقة رائعة لتحرير التوتر الذي قد لا تدركون أنكم تعانون منه. عندما تجرون مسحاً لمختلف أعضاء جسمكم ولأحاسيسكم الجسدية، تستطيعون أن تحددّوا أي ألم أو توتر أو إنزعاج عام تشعرون به. والهدف من هذا المسح ليس تخفيف الألم تمامًا بل التعرف عليه والاعتراف به والتخلص منه.
- اجلسوا أو استلقوا في وضعية مريحة واغمضوا عينيكم.
- خذوا نفسًا عميقًا. ابطأوا نفسكم وتنفسوا من بطنكم بدلاً من صدركم حتى تشعروا أن بطنكم يرتفع وينخفض مع كل نفس.
- ركزوا انتباهكم على أصابع قدمكم اليمنى. إذا لاحظتم أي إنزعاج، اعترفوا به وبأي مشاعر أو أفكار ترافقه
- · بعد ذلك، حوّلوا تركيزكم إلى قدمكم اليمنى ثم كاحلكم الأيمن ثم بطة رجلكم اليمنى ثم ساقكم ثم ركبتكم وما إلى ذلك، إلى أن تغطوا جميع أجزاء جسمكم فيما تلاحظون كيف تشعرون في كل جزء من أجزاء جسمكم وأين تشعرون بالتوتر.
يمكنكم أيضًا التنفس مع التركيز على أي جزء من الجسم حيث تشعرون بعدم الراحة، ما قد يساعدكم على التخلص من هذا الشعور.
الانزواء عقب حصول أمر مزعج
عندما يحدث معكم أمر غير سار، خذوا لحظة هدوء قبل القيام بأي ردّ فعل. أغمضوا عينيكم واسأل نفسكم:
- ماذا أشعر بعد الحادثة؟
- أين جزء من جسدي يشعر بذلك؟
- ما شكل هذا الشعور، وما لونه، وملمسه؟
مارسوا هذه التقنيات لتتعلموا الاستماع إلى جسمكم والاستفادة من الإرشادات القوية التي يقدّمها لكم هذا الهيكل الإستثنائي، فهو بوصلتكم الداخلية.