غالباً ما نشير إلى الحبّ على أنه مجرّد شعور، إلا أنّ الحقيقة مغايرة لذلك، فالحبّ هو أيضاً خيار. بغضّ النظر عن كل التحديات والشوائب، وبغض النّظر عن حالة الركود في العواطف التي تنتابنا أحياناً، وبغضّ النظر عن “اختلاف” الآخر، لايزال بإمكاننا اختيار الحبّ.
“الحبّ هو الهدف الأفضل والأسمى الذي يطمح إليه المرء” (فرانكل ف.إي. بحث الإنسان عن المعنى، ٢٠٠٦).
من جهته، يقول د. فكتور فرانكل، مؤسس منهجية العلاج بالمعنى: “إنّ الحبّ هو عيش خبرة شخص آخر بكلّ فرادته وتفرّده”. (فكتور فرانكل، الطبيب والروح، ١٩٨٦)، ما يجعلنا نعيد تقييم منظارنا للأمور.
بداية، لا يتمحور الحبّ حول “الذات”، بل حول “الذات” و”شخص آخر”. وفي حال عدم طرح هذه الدينامية، فلن يستطيع المرء اختبار الحبّ بكلّيته.
ثانياً، حين يُغرم المرء، يتّخذ قراراً بالنظر إلى الصفات الفريدة من نوعها التي يتمتّع بها “الآخر”، فكل شخص فريد من نوعه، وحين يقرّر المرء أن يحبّ هذه الفرادة، تصبح العلاقة قيّمة ولا يمكن استبدالها بأي علاقة أخرى. فحبّ الآخر بنِيّة تغييره ليس بالحبّ؛ فالحبّ هو التغنيّ بفرادة الآخر، وهو في أصل الحبّ الحقيقي.
ثالثاً، الحبّ الحقيقي يتخطى حدود حبّ الذات، إنه ليس متمحوراً حول الذات بل يجعل الذات تتسامى، أي أنه يجعل الذات تسمو نحو “الشخص الآخر الذي يحتلّ مكانة هامّة”.
الحبّ هو القيمة الأعلى، وتماماً كما نعيش القيم، علينا أن نعيش الحبّ، و”معنى الحبّ الحقيقي” هو في اختباره. ومن هنا، يجعل الحبّ الشخص يسمو إلى رابط قويّ وهادف، رابط يمكن التعبير عنه وعيشه على مستويات ثلاثة أساسية: المستوى البشري، المستوى ما دون البشري، والمستوى الأعلى من البشري.
المستوى البشري: إنه الشعور بالحبّ تجاه الذات وتجاه شخص آخر، سواء أكان الشريك في الحياة، أفراد الأسرة، الأصدقاء، شخص غريب، زميل، مثال أعلى، إلخ. المستوى ما دون البشري: ويمثل هذا المستوى الحبّ تجاه مخلوقات أخرى، سواء أكانت حيوانات أو ابتكارات كالطبيعة مثلاً. المستوى الأعلى من البشري: إنه الحبّ الذي نشير إليه في علم المعنى، ونقول “المعنى الأسمى”. إنها علاقة الإنسان مع الخالق أو مع القوى الأعظم والطريقة التي نختار أن نعيش من خلالها هذا الرابط، سواء بطريقة دينية، أو علمانية أو روحانية. وبالرغم من أن هذا الحبّ حميمي وشخصيّ، إلا أنه يزدهر وينشر ثماره في العالم الخارجي المحيط بنا.
ومن الحقائق الأخرى التي تقال عن الحبّ، نذكر “الحبّ أكثر من حالة عاطفية، إنه عمل مقصود” (فيكتور فرانكل، الطبيب والروح، ١٩٨٦).
فتماماً كما أنّ الحبّ خيار ورابط، إنه أيضاً عمل تقررون نقله إلى الواقع على أي من مستويات الحبّ الثلاث؛ إذ يمكنكم أن تطهوا الطعام لأحبائكم، أو السير في الغابات واختبار الحبّ تجاه الطبيعة، أو العمل بكلّ جوارحكم على عرض ما وعيش الحبّ تجاه عملكم، أو الصلاة واختبار الحبّ مع الخالق.
استناداً إلى الوقائع المذكورة أعلاه، يمكنكم أن تدركوا مدى غنى الحياة وكيف أنها تقدّم لكم دوماً الفرصة لاختبار قيمة الحبّ. فالحبّ ليس محصوراً بإطار معيّن أو ناحية معينة من حياتكم. فكلّ لحظة من حياتكم هي فرصة لعيش الحبّ، بشكل من أشكاله.
وبدوركم، اليوم، كيف تقرّرون أن تختبروا الحبّ؟