من منّا لم يشعر باستنزاف قواه بشكل كامل بعد الخروج من اجتماع افتراضي على تطبيق “zoom” أو “Teams”؟
في يومنا هذا، بات الكثير من الأشخاص يعانون من ظاهرة أطلق عليها تسمية “إجهاد زوم”، أو ما يعرف باسم التعب أو الإجهاد الافتراضي. وتشير هذه الظاهرة إلى الشعور بالإجهاد الذي ينتابنا بعد المشاركة في أي نوع من أنواع اتصالات الفيديو أو الاتصالات المتعددة الأفرقاء التي نشارك بها افتراضياً. وحتى وإن كان الشخص ملماً في التكنولوجيا الحديثة، فإن جائحة كورونا قد أضفت معنى جديداً على مصطلح “العالم الرقمي”.
حتماً، هناك الكثير من الحسنات المتأتية عن أدوات مثل “زوم”، “سكايب” و”فايس تايم”، فهي تسمح للأشخاص بأن يتواصلوا بشكل آمن وتسهّل عملية إتمام الكثير من الأعمال بالنسبة إلى الأشخاص المصابين بحالات صحية مزمنة. إلا أنه، وتماماً كما هي عليه الحال بالنسبة إلى معظم الأمور الجيدة، هناك دوماً ثمن يجب دفعه وتسوية يجب القيام بها.
ولفهم هذا الشعور الجديد بالإجهاد الذي يطال يومياً أكثر من ٣٠٠ مليون مشارك في الاجتماعات الافتراضية، عرض خبراء في عدد من المجالات المختلفة، كالأعمال، والوسائل السمعية والبصرية، والعلوم الاجتماعية لتفسيرهم لهذه الظاهرة.
ما هو التفسير النفسي لظاهرة “إجهاد زوم”؟
يمكننا بدء عملية الاستكشاف عبر إعادة النظر في عملية الإنهاك الفكري. ومن أبرز العناصر النفسية للإنهاك هو التبادل الحاصل على صعيد المكافآت والتكاليف الذي يحدث في فكرنا بشكل غير واعٍ. فحتى القرارات البسيطة، كالضغط على زرّ “Enter” أو “Backspace” أو حذف كلمة مطبوعة، مستندة إلى هذه التقديرات غير الواعية بتعزيز المكافأة (الوقت) على حساب التكلفة (الجهد).
يعاني الأشخاص الذين يعملون في مهن ترتبط بقطاع الخدمات من الإجهاد. فبالإضافة إلى التوتر المعتاد الناجم عن العمل، فقد أثرت هذه الجائحة على الصحة الفكرية للناس جميعهم. وبالرغم من ذلك، يُتوقّع من الجميع الاستمرار بالعمل كما أنّ شيئاً لم يكن، علماً أن هذه الجائحة قد أرخت بظلالها على حياة الكثيرين.
من أبرز إشارات الاحتراق النفسي، نذكر:
النسيان والصعوبة في التركيز التوتر والغضب السريع ما بين الزملاء العوارض الجسدية، كتوتر الأعصاب، الألم، الإنهاك والأرق صعوبة في الحفاظ على العلاقات والتواجد بجوار الأحباب
لِم تُسبّب الاجتماعات الافتراضية هذا الكمّ من الإرهاق؟
نحن لا نتخيّل أننا متعبين، بل هناك الكثير من العوامل التي تجعل اجتماعاتنا الافتراضية متعبة جداً. فخلال هذه الاجتماعات، يفترض بالناس أن تبذل المزيد من الجهود لقراءة تعابير الوجه وفهم النبرة من خلال شاشة الكمبيوتر. بالرغم من أنّ المرء لا يدرك ذلك بوعيه، فقد ثبت بأن معظم الناس يحتاجون إلى بذل المزيد من الجهود لإجراء حوارات عبر المنصة الافتراضية، مقارنة بالجهد الذي يبذلونه في حياتهم الواقعية. “أثناء الانخراط في مثل هذا التفاعل، يحتاج الناس إلى خلق وهم التواصل البصري، فيما يقومون أيضاً بمعالجة التواصل اللغوي”، يقول العامل الاجتماعي جاغو.
على الصعيد التقني، يحصل بعض التأخير في وصول الاستجابة الشفهية خلال التواصل الافتراضي، ما يعيق قدرتنا على تفسير كلام الشخص الذي نتحدث معه. لحسن الحظ، هناك بعض الأمور التي يمكننا القيام بها للإمساك بذمام الأمور، حتى لا نشعر بأننا منهكين عقب المشاركة في الاجتماعات الافتراضية. وبما أنه سيكون هناك دوماً بعض الاجتماعات التي لا يمكن للمرء التخلّف عن حضورها، إلا أن هناك حتماً بعض الاجتماعات التي يمكن تفويتها! وإن شعر المرء بأن الاجتماعات تبعد عن مسارها أو بأن الأمور تحيد عن الأساسيات، فيمكنه الاكتفاء بالقول، “سأطفىء خاصية الفيديو لأن ذلك يسهل عليّ عملية الإصغاء”.
من جهة أخرى، هناك الكثير من الضغوط الناجمة عن الالتزام بالاجتماعات اليومية وتسليم المهام المستحقة، جرّاء النظرية الخاطئة التي تقول بأن التواجد في المنزل، يعني بأننا “لا نعمل”، إلا أننا نعلم جميعنا بأن هذا ليس بصحيح.
فإن استطاع المرء التحكّم بمواعيد الاجتماعات يستطيع تسخيرها لصالحه. ومن هنا، علينا أن نحدّد الأوقات التي نجدها الأمثل لعقد الاجتماعات، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن المسألة الأساسية هي صحتنا الفكرية. قد يكون وضع كل الاجتماعات الافتراضية الإلزامية في بداية الأسبوع حلاً سليماً بالنسبة إلى البعض، فيما يفضّل آخرون توزيع الاجتماعات على امتداد الأسبوع. وهكذا، لن يكون هناك أي يوم واحد مثقل بهذه الاجتماعات. كما يمكن وضع حدود للاجتماعات، بحيث لا تجرى أي اجتماعات عمل قبل الساعة الثانية عشرة ظهراً. جميع هذه الخيارات المذكورة هي خيارات شخصية، لذا احرصوا على الاستفادة من الأمور البسيطة التي تستطيعون التحكّم بها، في ظلّ هذه الأوقات حيث يستلزم العمل مستوى أقلّ من التنقّل!
وختاماً، فإن الاحتراق النفسي في العمل مسألة شائعة للغاية. والمعاناة من أزمة صحية عالمية لن تسهّل الأمور ولاسيما وأن الاجتماعات الافتراضية لن تتوقف، لذا، يستحسن التفكير بأساليب تساعدكم على متابعة عملكم مع التركيز على صحتكم النفسية والجسدية. وإن كنتم مدراء أو تديرون عملكم الخاص، يمكنكم مساعدة موظفيكم عبر مشاركتهم بعض النصائح الخاصة بالصحة والعافية. أما إن كنتم أساتذة ومعلمات، فعليكم مراعاة هذا الموضوع وأخذه بعين الاعتبار، مع الحرص على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة، والاستعداد للتصرف بمرونة إزاء توقعاتكم.
بغضّ النظر عن هويتكم، وعمّا تقومون به، تذكروا بأن تضعوا دوماً الأولوية لعافيتكم، ولاسيما لصحتكم الفكرية.