خلال السنوات العشرين الأخيرة، أخذ موضوع انتشار البدانة في العالم العربي حيّزاً كبيراً من الاهتمام واعتُبِر موضوعاً غاية في الأهمية نظراً للتغييرات التي حصلت على صعيد استهلاك الطعام، والعوامل الاجتماعية الاقتصادية والجغرافية، والنشاط الجسدي، والتمدّن، وهي عوامل كان لها أشدّ الأثر في انتشار البدانة بشكل كبير.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن انتشار البدانة والوزن الزائد لدى الأطفال والبالغين في العالم العربي هو نتيجة اعتماد الحمية الغذائية الغربية الغنية بالدهون والسكريات والاستعاضة بها عن الحمية الغذائية العربية التقليدية.
فبحسب منظمة الصحة العالمية، يعاني شخص بالغ من أصل خمسة بالغين من البدانة في منطقة الخليج. ويُعزى ذلك إلى الاستهلاك الراسخ للوجبات السريعة والمشروبات المشبعة بالسكر (مثل الصودا). وفي الوقت عينه، فإنّ بعض التقنيات الحديثة، كالمصاعد، والسيارات، وأجهزة التلفاز، والسلالم الكهربائية قد خفّفت من مستويات النشاط. كما أنّ غياب الغابات والأشجار عموماً بسبب ارتفاع الحرارة الخارجية دفع بالناس إلى التزام منازلهم واستخدام سياراتهم للتنقّل، حتى ولو كانت المسافات قريبة جداً.
فبحسب الدراسات، يعاني الأشخاص البدينين وذوي البدانة المفرطة من خطر التعرض لمشاكل صحية كأـمراض القلب والشرايين، والسكري من النوع الثاني، واضطراب شحميات الدم، وأمراض الكبد والمرارة، وسرطان الثدي والقولون والرحم، وتوقّف التنفس أثناء النوم، وعدم انتظام الدورة الشهرية وانعدام الخصوبة لدى النساء.
استراتيجيات للوقاية من البدانة لدى البالغين والتحكّم بها
ليس هناك من حلّ واحد كفيل بحلّ جائحة البدانة. فهي مسألة معقدة وتستلزم مقاربة متعدّدة الأوجه. وتؤدي الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام، ومقدّمي الرعاية الصحية، والجامعات والمدارس دوراً أساسياً وحيوياً فيها. إليكم بعض التوصيات حول خطوات يمكن للبالغين القيام بها لإحداث تغيير إيجابي على صعيد صحتهم وعافيتهم:
• تحديد العوامل التي تعيق عملية خسارة الوزن من خلال العلاج السلوكي. • تعزيز الوعي حول المشاعر المرتبطة بأنماط تناول الطعام. • تناول الطعام بشكل واعٍ، مع تفادي الأكل أثناء الانشغال بمشاهدة التلفاز أو العمل على الكمبيوتر. • تعلّم كيفية قراءة ملصقات الطعام واستخدامها لما يعود عليهم بالفائدة. • وضع وجبات خفيفة صحية في المنزل عوضاً عن الوجبات الخفيفة التي تحتوي على نسبة كبيرة من السعرات الحرارية. • اعتماد الحمية الغذائية الشرق أوسطية. • التنبّه بشكل أفضل لنوعية الطعام وكمياتها في المناسبات الاجتماعية. • الحرص على طهي وجبات صحية. • استبدال العادات السيئة بعادات جديدة صحية. • اعتماد نمط حياة صحي عوضاً عن القيام بالرجيم لفترة قصيرة من الوقت.
على صعيد التغذية:
• الإكثار من استهلاك المياه (بمعدل 0.033 ملليلتر/كغ من وزن الجسم). • اعتماد حمية غذائية ذات سعرات حرارية منخفضة. • الامتناع عن تناول السكر والمنتجات التي أضيف إليها السكر. • تجنب الأطعمة المعالجة المصنعة من السكر الأبيض، الطحين، شراب الذرة الغني بالفروكتوز، والدهون المشبعة. • تجنب الأطعمة المقلية واستبدال القلي بالزيت بالقلي على الهواء. • اعتماد الأطعمة الطازجة بدلاً من الأطعمة الموضبة والجاهزة للأكل. • التخطيط مسبقاً لوجبات طعامكم. • عدم تفويت الوجبات. • الاطلاع على حصص الطعام المخصصة لكلّ فرد. • تجنّب تناول الطعام أو الوجبات الخفيفة في وقت متأخر من الليل. • الإكثار من تناول الأطعمة النباتية كالفاكهة، والخضار والحبوب الكاملة.
على صعيد النشاط الجسدي:
• تعزيز النشاط الجسدي (نشاط جسدي معتدل لمدة 150 دقيقة في الأسبوع) • إضافة النشاط الجسدي على الروتين اليومي (السير للوصول إلى السيارة، صعود السلالم بدلا من المصعد …). • تجنّب الجلوس لفترة طويلة، ووضع إشعار تذكير على الهاتف، للوقوف والتحرّك. في حالات خاصة: • اللجوء إلى العلاج بالأدوية لخسارة الوزن تحت إشراف طبي محترف.
جراحات علاج البدانة
منذ انتشار جائحة البدانة، بات عدد كبير من البالغين يلجأون إلى جراحات علاج البدانة لأنها العلاج الأكثر فعالية للبدانة من حيث الحفاظ على خسارة الوزن على المدى الطويل وتحسين الظروف الصحية المرتبطة بالبدانة. وفيما تتميز جراحات علاج البدانة بالكثير من الحسنات، إلا أن كل هذه الجراحات تنضوي على مخاطر كبيرة وتأثيرات سلبية. ولضمان فعالية جراحات علاج البدانة على المدى الطويل، لا بدّ من القيام بتعديلات دائمة على صعيد الحمية الغذائية الصحية المعتمدة وممارسة الرياضة بشكل دائم.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الجراحة هي الحلّ الذي يصار إلى اعتماده حين يعجز المريض عن خسارة الوزن، عبر اعتماد الأساليب الأقل جذرية (الحمية الغذائية والرياضة).
من هم الأشخاص الذين يستطيعون إجراء جراحات علاج البدانة؟ • الأشخاص الذين يبلغ مؤشر كتلة جسمهم 40 كغ/متر مربع وأكثر. • الأشخاص الذين يتراوح مؤشر كتلة جسمهم ما بين 35 و40 كغ/متر مربع والذين يعانون من حالات صحية مرتبطة بالوزن.
ملاحظة: تُستخدم جداول النمو للمراهقين، وتظهر مؤشر كتلة الجسم الخاص بكلّ عمر.
بحسب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن الأولاد الذين يعانون من السمنة معرّضون للبدانة عند البلوغ. وترتبط البدانة لدى البالغين بخطر الإصابة بعدد من الأمراض الصحية الخطيرة، كأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، والسرطان. وإن عانى الأولاد من البدانة، فهناك احتمال أن تصبح بدانتهم وعوامل الخطر المرتبطة بها أكثر خطورة في سنّ البلوغ.
وقد أشارت دراسة إلى أن الأطفال والمراهقين الذين يعانون من البدانة معرّضون بنسبة 5 أضعاف أكثر من سواهم للمعاناة من البدانة أثناء فترة البلوغ. وبأن ٥٥٪ من الأطفال البدينين يبقون بدينين خلال فترة المراهقة، وبأن ٨٠٪ من المراهقين البدينين سيبقون بدينين خلال فترة البلوغ، وبأن ٧٠٪ منهم سيبقون بدينين بعد سنّ الثلاثين.
أما الأسباب التي تعزّز البدانة لدى الأطفال فكثيرة وأهمها، عدم التوازن ما بين كمية الطاقة المستهلكة وكمية الطاقة المبذولة، العامل الوراثي، تناول الوجبات السريعة، تناول الكميات الكبيرة من الطعام، انخفاض مستوى النشاط الجسدي، العوامل النفسية (اضطرابات الطعام)، العوامل العائلية (الطعام الموجود في المنزل) والعوامل الاجتماعية- الثقافية (استخدام الطعام كمكافأة)، جميعها عوامل تعزّز بدانة الأطفال.
إليكم بعض النصائح للتحكّم بالبدانة لدى الأطفال:
• تناولوا الطعام مع أولادكم. • قدّموا لهم حصصاً مناسبة. • شجعوا أولادكم على اعتماد الطعام الصحي في المنزل. • شجعوا أولادكم على تناول الطعام فقط حين يشعرون بالجوع، وعلّموهم أن يتناولوا الطعام ببطء. • لا تسمحوا للأولاد بتناول الطعام والوجبات الخفيفة أثناء مشاهدة التلفاز. • تفادوا اعتماد الطعام كعقاب أو مكافأة. • تنبّهوا للسلوك النفسي للأولاد. • لا تقارنوا أولادكم بأقرانهم، ولا تشجعوهم على مقارنة أنفسهم بالآخرين. • شجّعوا أولادكم على اختيار الأطعمة والوجبات الصحية وتحضيرها، فهذا يشجعهم على تناولها لكونهم شاركوا في تحضيرها. • امنحوا الأولوية لتناول الخضار والفاكهة (قدموا لهم 5 حصص من الفاكهة والخضار يومياً). • احرصوا على أن تضعوا في البراد حليباً خال من الدسم أو منخفض السعرات الحرارية، فاكهة طازجة وخضارًا عوضاً عن المشروبات الغازية والوجبات الخفيفة المشبعة بالسكر والدهون. • قلّلوا من الوجبات السريعة. • قلّلوا من الحلويات والمشروبات الغنية بالسكر. • اعتمدوا الوجبات الخفيفة والتحليات الصحية. • شجعوا أولادكم على اعتماد نمط حياة صحي عوضاً عن وضع أهداف لخسارة الوزن فحسب. • شجعوا أولادكم على القيام بنشاطات خارجية يحبّونها. • إن كان ولدكم بديناً، حاولوا اعتماد نظام غذائي صحي للعائلة كلها. • بصفتكم أهل، كونوا مثالاً يُحتذى به لأولادكم عبر تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة وذلك لتشجيع أولادكم على القيام بذلك. • عزّزوا النشاط الجسدي والرياضة. • خفّفوا من الوقت الذي يقضيه أولادكم أمام التلفاز، أو الجهاز الإلكتروني أو ألعاب الفيديو.
يُعدّ الكشف المبكر والعلاج المبكر للبدانة لدى الأطفال أمرًا غاية في الأهمية، ويمكن تفاديه إن قمنا بالتركيز على مسبّباته. ومن هنا، فإن إجراء تغييرات على صعيد الحمية الغذائية والنشاط الجسدي في المجتمع والمدرسة هو طريقة فعالة للغاية. كما أنه يفترض بالأهل التشديد على اعتماد نمط صحي أكثر في المنزل لأنهم المثال الأعلى لأولادهم. تجدر الإشارة إلى أن الوقاية من البدانة تبدأ ما قبل الولادة، من النمط الغذائي الذي تعتمده الأم أثناء حملها، إلى الرضاعة الطبيعية، وتعزيز العادات الغذائية الجيدة في سنّ مبكر.
يداً بيد، نستطيع أن نحدّ من جائحة البدانة.