“الاجتماع معاً بداية، والبقاء معاّ تقدّم، والعمل معاً نجاح فعليّ”، قال الصناعي الأميركي والرائد هنري فورد.
لقد تطوّر مفهوم الزواج عبر الأزمان و في مختلف الثقافات، فعكس تغييرات في البنى الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية. واليوم، بات الزواج خياراً شخصياً وحقاً أساسياً من حقوق الإنسان، بحيث يستطيع الأفراد أن يتزوجوا ممن يختارونهم. وفي معظم الحالات، يتمّ النظر إلى الزواج على أنه علاقة شراكة تستند إلى الاحترام المتبادل، الحبّ والالتزام، أكثر ممّا هو التزام تجاه العائلة أو المجتمع. ويمكن للزواج أن يترك تأثيرًا عميقًا على العافية الفكرية والجسدية. وتشير العلاقات الزوجية إلى التفاعل، والتواصل والروابط العاطفية ما بين طرفي الزواج. ويمكن لهذه العلاقات أن تترك أثراً كبيراً على العافية الشخصية، ويمكن للنجاح أو الفشل في الزواج أن يكون له تأثير كبير على نواح أخرى من الحياة.
تشتمل العلاقات الزوجية على نواح عاطفية وجسدية. فالحميمية العاطفية تشتمل على مشاركة المشاعر، والأفكار، والخبرات مع الشريك الآخر، فيما تشتمل الحميمية الجسدية على التفاعل الجنسي والملامسات الجسدية. ومن مقوّمات العلاقة الزوجية السليمة والصلبة الحميمية العاطفية والجسدية، والتواصل الفعال، والاحترام المتبادل، والالتزام المشترك بهذه العلاقة. ويعدّ التواصل الفعّال سمة أساسية للعلاقة الزوجية السليمة. إذ يفترض بالشريكين أن يتمكنا من التواصل بشكل منفتح وصريح، فيعبّران عن حاجاتهما، ورغباتهما، ومخاوفهما بطريقة تخلو من الأحكام. ويستلزم ذلك الإصغاء بشكل فاعل والاستعداد لتقديم التنازلات والعمل معاً لحلّ النزاعات.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الاحترام المتبادل عامل ضروري للعلاقة الزوجية السليمة. ومن هنا، يفترض بالشريكين أن يحترما خصوصية بعضهما البعض، وآرائهما، واستقلاليتهما. كما يفترض بهما أن يدعما أهداف بعضهما البعض وتطلعاتهما والعمل معاً لتحقيق الأهداف المشتركة. كما أن الالتزام المشترك في العلاقة أمر أساسي، إذ يفترض بالشريكين أن يلتزما العمل معاً للحفاظ على زواج سليم وسعيد بالرغم من الصعوبات التي قد يصادفانها في حياتهما. فهذا الالتزام يستلزم منح الأولوية لعلاقتهما، وتخصيص الوقت لبعضهما البعض، والاستعداد لبذل الجهد اللازم للحفاظ على روابط قوية فيما بينهما. فالعلاقات الزوجية تؤدي دوراً أساسياً في تعزيز العافية الشخصية.
وتسهم العلاقة الزوجية السليمة والإيجابية في تعزيز الصحة النفسية والجسدية، فيما يكون للعلاقة الزوجية غير السليمة أو المتأزمة أن تخلّف تأثيرات سلبية.
الزواج والعافية الجسدية والنفسية
فيما يعتبر الزواج احتفالاً بالحبّ والوحدة، يعيش بعض الأشخاص علاقات زوجية غير سليمة. ويكون للزواج المتأزم تأثيرات سلبية على العافية الجسدية والنفسية. وترتبط أبرز تأثيراته السلبية بالحميمية العاطفية والجسدية، التي تشكل جزءاً من العلاقات الزوجية. وتفتقر العلاقات الزوجية غير السليمة إلى الحميمية العاطفية والجسدية، وتترافق مع مشاعر سلبية كالامتعاض أو الغضب. ما يعزّز الشعور بالوحدة، والانعزال، والكآبة، وهي مشاعر تؤثر سلباً على الصحة النفسية.
وبالإضافة إلى ما سبق، يمكن للنزاعات الزوجية أن تشكل مصدر توتر أساسي، ولاسيما إن كانت النزاعات مستمرة أو بقيت من دون حلّ. فالنزاع يؤدي إلى الإحساس بالتوتر والاكتئاب. وتعزّز النزاعات الزوجية المستمرة الشعور بالعجز وفقدان الأمل، وهي مشاعر مدمّرة للصحة النفسية. ومن التأثيرات السلبية المحتملة للنزاعات الزوجية نذكر العزلة الاجتماعية. ففي حين يمكن للزواج أن يكون مصدر دعم وملاذاً، يمكنه أن يؤدي أيضاً إلى العزلة الاجتماعية إن انسحب الزوجان من العلاقات الزوجية القائمة خارج إطار الزواج. وقد تطرح هذه المسألة مشكلة، إن كانت العلاقة الزوجية غير سليمة، إذ تؤدي إلى الحدّ من فرص التواصل الاجتماعي والدعم. وينجم عن العلاقات الزوجية غير السليمة سلوكيات غير ملائمة للصحة كتعاطي المخدرات أو الإفراط في تناول الطعام.
وعلى صعيد الصحة النفسية، لقد أشارت الأبحاث بشكل دائم إلى أن الأفراد الذين يعيشون علاقات زوجية سعيدة وسليمة يميلون إلى اختبار نتائج أفضل على صعيد الصحة النفسية مقارنة بأولئك الذين يعيشون حياة زوجية تعيسة أو غير مكتملة. فالعلاقة الزوجية السليمة تقدم الدعم العاطفي وإحساساً بالرفقة، وهي مشاعر تساعد الأفراد على أن يتأقلموا بشكل أفضل مع التوتر ومع تحديات الحياة. ويمكن للعلاقة الزوجية الناجحة أن تعزّز المشاعر الإيجابية، كامتلاك هدف في الحياة، ومعنى واكتفاء.
إليكم بعض النصائح التي من شأنها أن تساعد الأزواج على عيش حياة زوجية سعيدة:
التواصل عامل حيوي للزواج السعيد: يفترض بالزوجين أن يتمكنا من التعبير بصراحة عن مشاعرهما وأفكارهما وأن يصغيا إلى بعضهما البعض بشكل فاعل. ويشتمل ذلك على الاستعداد لمشاركة نقاط الضعف ومناقشة المواضيع المعقدة بكلّ صدق وتعاطف.
الاحترام عامل أساسي لكل علاقة سليمة: يفترض بالزوجين أن يعاملا بعضهما البعض بلطف، ومراعاة، وتفهّم وأن يقدرا سماتهما الفريدة وحاجاتهما.
يبنى الزواج السليم على قيم ومعتقدات مشتركة: ويشتمل ذلك على امتلاك أفكار متشابهة حيال العائلة، والشؤون المالية ونمط الحياة، والعافية ليعملا معاً لتحقيق الأهداف المشتركة.
قضاء وقت ممتع معاً عامل ضروري لبناء روابط متينة ضمن العلاقة الزوجية والحفاظ على هذه الروابط: ونعني بذلك تخصيص الوقت للقيام بنشاطات يستمتع بها كل منكما، وذلك سواء أكان الخروج في موعد، أو الذهاب في رحلات، أو مجرد قضاء الوقت معاً في المنزل.
ما من زواج كامل، ويرتكب الزوجان الأخطاء من وقت إلى آخر: من الضروري التدرب على ممارسة الصبر والمسامحة، والعمل معاً لتخطي أي تحديات؛ ونعني بذلك الاستعداد للاعتذار، والمبادرة إلى التغيير عند الضرورة، والمضي قدماً في الالتزام بالنمو المشترك وتبادل الدعم.
باختصار، يمكن للعلاقات الزوجية أن تؤثر بشكل كبير على العافية النفسية والجسدية. فالزواج الناجح هو علاقة سليمة ومكمّلة بين شخصين ملتزمين ببعضهما البعض. إنها وحدة يتبادل خلالها الزوجان الحبّ، والاحترام، والدعم ويعملان معاً لتخطي التحديات وتحقيق الأهداف المشتركة. ومن هنا، يفترض بالزوجين أن يمنحا الأولوية لصحتهما وعافيتهما، وأن يسعيا للحصول على المساعدة إن واجها سلوكيات غير سليمة، وأن يتعلّما التحكم بالتوتر والمشاعر السلبية بطرق صحية ضماناً لتحسين صحتهما النفسية والجسدية على حدّ سواء.