في إطار الحديث عن العافية، غالباً ما نركز على الصحة الجسدية، والتمارين الرياضية، والتغذية، وتفادي المرض. إلا أن العافية هي مفهوم متعدّد الجوانب يحيط بأجسامنا. ومن أبرز ملامح العافية، أمر غالباً ما يتمّ غضّ الطّرف عنه، وهو مظهرنا الخارجي. يمكن لمظهرنا الخارجي أن يؤثر على عافيتنا بشكل كبير، إذ يترك بصماته على شعورنا حيال أنفسنا، وعلى نظرة الآخرين لنا، وعلى مستوى ثقتنا بأنفسنا واحترامنا لذاتنا.
تكثر العوامل التي تسهم في تكوين مظهرنا الخارجي، بما في ذلك العوامل الجينية، البيئة والخيارات التي ننتهجها على صعيد نمط حياتنا. وبالرغم من أننا لا نستطيع السيطرة على كلّ هذه العوامل، إلا أنّ هناك بعض الأمور التي نستطيع القيام بها لتعزيز مظهرنا وتحسين صحتنا وعافيتنا. ومن دون أدنى شك، فإن الاتجاه نحو الإجراءات غير الجراحية الآيلة إلى تعزيز المظهر الخارجي باتت أكثر رواجاً خلال السنوات الفائتة. فالكثير من الأشخاص، سواء أكانوا رجالاً أو نساء، يعتمدون هذه الإجراءات للحصول على مظهر أكثر شباباً وصحة من دون أن يخضعوا إلى جراحات مُغيّرة. ومن أهمّ حسنات الإجراءات غير الجراحية تضمّنها فترة قصيرة من الوقت للتماثل للشفاء، وهي أقلّ جذرية وتغييراً من الخيارات الجراحية. وغالباً ما يمكن إجراؤها من دون دخول مستشفى، بحيث يستطيع المرضى العودة إلى نشاطاتهم الطبيعية في اليوم نفسه أو في اليوم التالي. ويمكن للإجراءات غير الجراحية أن تتضمّن مجموعة متنوعة من العلاجات، كالحقن، العلاجات بالليزر، التقشير الكيميائي، وتقنيات التدليك الخاصة بالوجه. ومن أكثر الإجراءات غير الجراحية الأكثر شيوعاً، نذكر البوتوكس وحشو الجلد. وتقتضي هذه العلاجات إرخاء عضلات الوجه أو إضافة حجم إلى أمكنة معينة من الجسم للحدّ من ظهور التجاعيد، والخطوط الرفيعة والبشرة المترهّلة.
تجدر الإشارة إلى أن الإجراءات غير الجراحية لا تخلو من المخاطر أو من الآثار الجانبية المحتملة. لذا، من الضروري السعي للحصول على العلاج من أخصائي مؤهّل وذي خبرة، وذلك للحرص على أن يتمّ هذا الإجراء بمستوى عال من الأمان والفعالية. كما أنه يفترض بالمرضى أن يمتلكوا تصوّراً واقعياً لما يمكن تحقيقه من خلال الإجراءات غير الجراحية، وأن يستعدوا لاحتمال حاجتهم إلى عدد من العلاجات لتحقيق النتائج المرجوّة. وبالإضافة إلى ما سبق، يؤثر وضعنا الفكري بشكل كبير على مظهرنا. فحين نشعر بالتوتر، والقلق، أو بالحزن، يظهر ذلك على مظهرنا الخارجي بأكثر من طريقة، ومنها:
البشرة: يمكن أن يؤدي التوتر والقلق إلى التهابات ونتوءات في البشرة، ما يمنحكم مظهرًا يوحي بالشعور بالتعب وانعدام الصحة، وفقدان البشرة لنضارتها.
الشعر: يمكن أن تتسبب المشاعر السلبية بفقدان الشعر، وتؤدي إلى شعر جاف ومتكسّر.
الجسم: حين نشعر بالارهاق أو الحزن أو القلق، يميل جسمنا إلى الترهّل ونتخذ وضعية قاسية ومتصلبة. ما يؤدي إلى آلام مزمنة وأوجاع في مختلف أنحاء الجسم، إضافة إلى شعور عام بالانزعاج.
العينان: يمكن لوضعنا الذهني أن يؤثر على مظهر عينينا، ما يجعلهما تبدوان متعبتين ومنتفختين. كما يؤدي التوتر إلى ظهور دوائر سوداء حول العينين.
الوزن: يؤثر وضعنا العاطفي على الوزن، إذ قد يؤدي التوتر والقلق إلى الإفراط في تناول الطعام أو الامتناع عنه.
وبالإضافة إلى هذه التأثيرات الجسدية، فإن الوضع الذهني من شأنه أن يؤثر على الطريقة التي نقدّم فيها أنفسنا إلى العالم. وحين نشعر بالثقة بالنفس والتفاؤل، فنحن نميل إلى الوقوف بشكل مستقيم، والتواصل البصري بشكل مباشر، والانخراط مع الآخرين بطريقة وديّة ومنفتحة. ومن جهة أخرى، حين نشعر بالإحباط أو التوتر، نميل إلى تفادي اللقاءات الاجتماعية، ونتحدث بطرقة بطيئة أو بتردد، ونبدو أقل ثقة بأنفسنا. وفي مقال صدر مؤخراً لماكينزي وشركاه، حول مصير الصحة العافية في العام ٢٠٢٣، ورد بأن الصناعات المرتبطة بمجال الصحة والعافية قد حققت أرباحاً بنسبة ١٫٥ تريليون دولار، مع زيادة متوقعة تتراوح ما بين ٥ إلى ١٠% كلّ عام.
“غالباً ما يبدي المستهلكين اهتماماً بستّ فئات من فئات العافية: الصحة، اللياقة البدنية، التغذية، المظهر الخارجي، النوم، واليقظة الذهنية”.
في العالم العربي، يولي الناس أهمية كبيرة للمظهر الخارجي والعافية، ويبدي الناس اهتماماً كبيراً بوضعهم الجسدي والفكري. وتملك عدد من البلدان العربية تاريخاً غنياً بالطبّ التقليدي والعلاجات الطبيعية، والتي مازالت شائعة الاستعمال حتى يومنا هذا بالإضافة إلى الطبّ الغربي. فعلى سبيل المثال، وفي مصر، غالباً ما يستخدم الناس العلاجات بالأعشاب لمعالجة الأمراض الشائعة. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن تقنيات التدليك التقليدية تستخدم للترويج للاسترخاء والعافية. وبالرغم من الميل إلى التركيز على المظهر الخارجي في العالم العربي، فإن الكثير من الأصوات تنادي لاعتماد مقاربة أكثر شمولية للعافية. فعلى سبيل المثال، ظهر خلال السنوات الفائتة، اهتمام متنامٍ في اليوغا وسواها من أشكال الممارسات القائمة على اليقظة الذهنية، ما يعزّز أهمية العافية الداخلية والعناية بالذات.
وبشكل عام، يمكن لوضعنا الفكري أن يؤثر بشكل عميق على مظهرنا الخارجي ولاسيما على سماتنا الخارجية، وكيفية تقديم أنفسنا للعالم. فالاعتناء بصحتنا الفكرية وعافيتنا مهمّ لكي نشعر بأننا بأفضل حال من الخارج إلى الداخل. كما أن اعتماد خيارات معينة لاعتناق نمط حياة صحي أمر نروّج له بقوة ضمن برامجنا بغية مساعدة الآخرين على تحقيق العافية وعيش حياة مرضية.
إليكم بعض النصائح السريعة التي من شأنها مساعدتكم على الحفاظ على مظهركم الخارجي:
اعتمدوا حمية غذائية صحية: يسهم اعتماد حمية غذائية متوازنة غنية بالفاكهة، والخضار، والبروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية في تغذية الجسم وتحسين مظهر البشرة، والشعر والأظافر.
تطوير روتين عناية بالبشرة: إن اعتماد التنظيف، والترطيب، والتقشير المستمر من شأنه الحفاظ على صحة البشرة ووهجها.
حماية البشرة من الشمس: استخدام الكريم الواقي من الشمس بشكل يومي، وارتداء ملابس واقية، والجلوس في الظل خلال الساعات التي تكون فيها الشمس في عزّ حماوتها تفادياً للتعرض لمضار الشمس، ومنها الشيخوخة المبكرة.
تطرّق الكاتب اللبناني الأميركي، جبران خليل جبران، في كتابة “النبي” إلى أهمية العناية بالجسم والفكر، فقال: “إن جسمكم هو قيثارة روحكم”. وركّز على أهمية اعتماد التوازن في الحياة، قائلاً: “الجمال ليس جمال الوجه، الجمال هو النور المنبثق من القلب”.