على مر السنوات الفائتة، تغلغلت التكنولوجيا في مختلف نواحي حياتنا، وقد قدّمت بديلاً رقمياً عن حاجاتنا الاجتماعية. انطلاقاً من الآلات الثقيلة وصولاً إلى أجهزة الكمبيوتر الشخصية، فتحوّلت التكنولوجيا من كونها أداة غير شخصية إلى أداة تلائم الحاجات الشخصية وترافقنا أينما كنّا. وقد أثرت جائحة كورونا على المجتمعات وعززت الرغبة بالحفاظ على العافية الفكرية والجسدية. اليوم، باتت “التقنيات القابلة للارتداء” توجهاً يندمج في محيطنا المهني، الشخصي واليومي.
بالنسبة إلى المبتدئين، تشهد صناعة الصحة والعافية زيادة لافتة في الطلب على التقنية القابلة للارتداء. لاسيما وأن الكثير من الأشخاص يستخدمون تقنيات اللياقة كالتطبيقات الهاتفية والعدة التكنولوجية القابلة للارتداء أثناء الرياضة. وبحسب مسح أجراه المعهد الأميركي للطبّ الرياضي، يعتقد ٤٥٠٠ خبير في الصحة واللياقة البدنية بأن التكنولوجيا القابلة للارتداء هي الصيحة الأكثر شيوعاً في يومنا هذا. فقد ساعدت تكنولوجيا اللياقة البدنية التي يمكن ارتداؤها الأفراد الملمين بموضوع الصحة على أن يراقبوا أنفسهم بشكل أفضل ويلتزموا بأهداف اللياقة البدنية التي وضعوها نصب أعينهم. وقد حلّت بعض التقنيات محلّ التجهيزات التقليدية كأجهزة مراقبة نبضات القلب وزوّدت العملاء بتقنية أفضل تدعم الرعاية الصحية. وأسهمت التكنولوجيا القابلة للارتداء بجعل التجهيزات ملائمة لكلّ الأعمار والأجناس؛ والأهم من ذلك هو أنها سهّلت على الأشخاص عملية مراقبة صحتهم. تتميّز معظم الأدوات القابلة للارتداء بسمات رعاية صحية معيارية، كسرعة خفقان القلب وتعقّب مستويات التوتر. كما يمكن الحصول على أدوات ذات سمات محدّدة مراعية للطلب. فعلى سبيل المثال، يمكن للأشخاص القلقين حيال صحة قلبهم أن يختاروا أدوات تتميز بخصائص لمراقبة عدم انتظام القلب. كما تمّ تطوير بعض التقنيات لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة كالباركنسون. وعادت التكنولوجيا القابلة للارتداء بالنفع على الأشخاص الذين يريدون الالتزام بهدف معيّن على صعيد اللياقة البدنية. وتعدّ هذه التقنيات بمعظمها متعددة الوظائف، أي أنها تسمح بإرسال البيانات واستلامها من هاتفكم فيما تمارسون الرياضة. أما الأدوات الأخرى كالساعات الذكية، والملابس الذكية فقد سمحت لمالكيها بأن يعزّزوا إدراكهم للياقتهم البدنية، ويحدّدوا أهدافهم وينعموا بنوم هادىء وصحي. وفعلاً، سهلت هذه التقنية القابلة للارتداء الطريق للأشخاص المهتمين بصحتهم، على اختلاف أعمارهم، للحفاظ على نمط حياة صحي وملائم.
وبحسب بيت براون، من شركة PwC في بريطانيا، فإن التقنية القابلة للارتداء قد أضحت “في مقدمة عالم الأعمال”. فقد ثبت بأن هذه التقنية تروج لرفاهية الموظفين في مكان العمل. وفي العام ٢٠١٩، قام عدد من الموظفين في شركة PWC في بريطانيا، بتجربة بحيث حضروا جميعاً إلى العمل مرتدين إحدى التقنيات القابلة للارتداء والملائمة لجدول عملهم. وعرضت النتائج التي وصلت إلى الإدارة وضع الموظفين ومستويات توترهم وسواها من العوامل الأخرى. وخلال جائحة كورونا، نشأ اتجاه جعل من البيانات أساساً يُستخدم للتوصل إلى نتائج مستقبلية حيال التوازن الأمثل ما بين الحياة الشخصية والحياة العملية. ومن النتائج المثيرة للاهتمام والمتعلقة بالموظفين قدرتهم على مراقبة أدائهم في العمل وتأثيره على حلقة النوم. وبالإضافة إلى ما سبق، يمكن للموظفين أن يتابعوا أنماط عملهم ويغيروا تلك التي تؤثر سلباً على حياتهم الشخصية وتزيد مستويات توترهم. وعبر فهم كيف يمكن لبعض تيارات العمل المحددة أن تخلق بيئة عمل فوضوية وتعزز إنهاك الموظفين، يستطيع أرباب العمل تحسين مقارباتهم حيال رفاهية الموظفين. وعبر تحديد هذه الثغرات، يمكن لأرباب العمل تأمين محيط عمل ملائم، وتقديم مداخلات فعالة عند الضرورة، وإجراء تعديلات مناسبة على أعباء العمل. وبحسب الاختبار الذي أجراه الموظفون في PWC، أدرك أرباب العمل بأنه بغية تمكين الموظفين، لا بدّ من منحهم فترات استراحة أكثر.
وفي هذا الإطار، يؤمن براون بأن “الشركات التي تنفّذ هذه التقنية بشكل صحيح وتستخدم البيانات لاتخاذ قرارات واعية واستثمارات على صعيد صحة موظفيها وعافيتهم ستعزز بقاء موظفيها وأفضل المواهب لديها وستتمكن من جذب مواهب جديدة”.
مازال إدراج التكنولوجيا في حياتنا اليومية في مراحله الأولى، ولن تكون التقنيات القابلة للارتداء محصورة بأدوات توضع حول الخصر. فسواء أكان ذلك على صعيد حياتنا الشخصية أو في مكان العمل، فإن علم البيانات يقدم بديلاً رقمياً جديداً لتعزيز رفاهية الموظفين وصحتهم الجسدية والنفسية على حدّ سواء.