ما هو هذا الشعور السائد في النفوس، إنه الخوف؛ الخوف من غدٍ مجهول، من مستقبل على وشك أن يضيع، من مرض فتاك، ومن وجود مهدّد.
أولا هل يحقّ لنا أن نشعر بالخوف يا ترى؟ قال ديفيد كيسلير، وهو كاتب، متحدّث وخبير في مواكبة المسائل المتعلقة بالوفيات والحزن : “من العبث أن نفكّر بأنّ علينا ألا نشعر بالحزن اليوم، اسمحوا لأنفسكم بأن تحزنوا ولا تقاوموا هذا الشعور”. ومؤخراً، أضاف ديفيد كيسلير، وبحكم عمله كخبير للتعامل مع الحزن، مرحلة سادسة على مراحل الحزن، وتحدث عن أهمية الاعتراف بالحزن، وطريقة التحكّم به، وإيجاد معنى له.
فبحسب كيسلير، نحن نختبر أنواعاً مختلفة من الأحزان؛ إذ نشعر بأن العالم قد تغيّر، وهذا ما حصل فعلاً. نحن نعرف ضمنياً بأنّ هذا التغيير مؤقت، إلا أنه يبدو لنا أزلياً، ونحن على يقين من أن الأمور ستكون مختلفة من الآن فصاعداً. فقد خسرنا النمط الطبيعي الذي اعتدنا عليه، ونحن نخشى من العبء الاقتصادي للأمور، كما أننا قد خسرنا التواصل الاجتماعي الذي لطالما عشناه.
وبالإضافة إلى الحزن الآني، فنحن نعيش مرحلة الحزن المرتقب، الحزن من المستقبل وممّا يخبؤه لنا. يتمحور الحزن المرتقب إجمالاً حول الموت، ونحن نشعر به عادة حين يُشخص أحدهم بمرض خطير أو نفكر في احتمال فقدان أحد الوالدين. اليوم، نحن نعيش حالة من الحزن المرتقب، وينتابنا شعور بأن أمراً سيئاً سيحدث، فهناك فيروس يفتك بنا، ولا نستطيع ردعه، نراه يفتك بالملايين حول العالم، ويقضي على حياة الآلاف، ونحن نجلس عاجزين عن حماية أنفسنا وحماية أحبائنا. ويشعرنا ذلك بغياب الأمان والطمأنينة، ويجذّر خوفنا أكثر فأكثر. إلا أننا لن نستسلم حتماً لهذا الحزن، ونقف مكتوفي اليدين، فما عسانا نفعل؟
إلا أننا لن نستسلم حتماً لهذا الحزن، ونقف مكتوفي اليدين، فما عسانا نفعل؟
وعن هذا السؤال يجيب كيسلير أيضاً، فيقول: “إن إدراك مراحل الحزن ما هو إلا البداية. إلا أنه كلما تحدثت عن الحزن، عليّ أن أذكّر الناس بأن مراحل الحزن ليست متراصفة وقد لا تحدث بالترتيب عينه. فمراحل الحزن ليست بخريطة ثابتة، إلا أنها تقدم بعض المعطيات حول هذا العالم المجهول. فنحن نمرّ بمرحلة النكران، التي غالباً ما تكون في البداية، فنردّد هذا الفيروس لن يصيبنا، ونمرّ بمرحلة الغضب، أنتم تلزمونني على البقاء في المنزل وتحرمونني من القيام بنشاطاتي، وبعدها، نمرّ بمرحلة المساومة، فنقول: حسناً، إن التزمت بمبادىء التباعد الاجتماعي لأسبوعين، ستتحسن الأمور. وبعدها، نصل إلى مرحلة الحزن المرتقب، وهو الشعور الذي ينتاب معظمنا اليوم، إذ يبدأ فكرنا بإظهار صور لأهلنا مرضى، ونتخيل أسوأ السيناريوهات، فالهدف هو إيجاد توازن في الأمور التي نراها. وبغية تخطي الحزن، فكروا بالنقاط التالية:
- الشعور بالذنب لن يفيدكم، بل سيزيد الأمور سوءاً.
- التعبير عن المشاعر طريقة ممتازة للخروج من الحزن؛ جدوا الطريقة الأمثل بالنسبة إليكم، سواء أكان عبر الصراخ والبكاء، أو الغناء، الرقص، الرسم أو سواه من أساليب التعبير التي تلائمكم.
- اعتنوا بأنفسكم ولا تهملوا صحتكم، فهناك أشخاص بحاجة إلى وجودكم في حياتهم.
- تواصلوا مع أحبائكم وأصدقائكم ولا تتقوقعوا على ذواتكم.
- تعاطفوا مع الآخرين، واسعوا للقيام بأعمال حسنة، فمساعدة الآخرين يعزّز شعوركم بالسعادة الداخلية.
في خضم هذه المرحلة الصعبة التي نمرّ بها، فلنستفد من كل لحظة نقضيها مع أفراد أسرتنا، ولنسع لأن نحوّل البغض إلى حبّ، والإساءة إلى مغفرة، والخلاف إلى اتفاق. فلنعد التفكير بقيمنا، ونجدّدها، ونستفيد من كل لحظة حياة وصحة، ونقدّرها، بحيث حين تعود المياه إلى مجاريها، ونعود إلى حياتنا السابقة، نضفي عليها لمسة جديدة، لمسة قوامها المحبة، والامتنان والتقدير لعطايا الله الكثيرة، ولنعمة الحياة.