وسط صراع الشركات وسعيها للحصول على أفضل المواهب المتاحة في السوق، يظهر تحديّ تأمين بيئة عمل حاضنة للموظفين. فمنذ وجود الإنسان، دفعته التكنولوجيا قدماً على أكثر من صعيد، إلا أنها أدت إلى وجود عدد من العقبات في أحيان أخرى. فعلى الصعيد الفردي، ربط العصر الرقمي الناس عبر تسهيل التواصل العالمي والوصول إلى الخدمات، إلا أنه أدى أيضاً إلى ارتباك على صعيد العلاقات التقليدية. أما على صعيد الأعمال، فقد أسهمت التكنولوجيا في تسريع الفعالية في العمل والتوسّع إلا أنها أحدثت تشويشاً على صعيد بيئة مكان العمل. وفيما انفتحت الأسواق على الاستهلاكية خلال السنوات الفائتة، انشغل عالم الأعمال عن التركيز على الداخل.
بات الحفاظ على صحة الموظفين وعافيتهم سمة رائجة لا يسعى أصحاب العمل إلى تنفيذها فحسب بل إلى توظيف أشخاص يمارسونها أيضاً. وفي هذا الإطار، تشير أليسون هادن، وهي مديرة تنفيذية لشركة تعمل في مجال الصحة والعافية، إلى أن شركات التوظيف العصرية باتت تعاني من مخاوف وقلق عند تأمين موهبة جديدة. لقد تحدثنا إلى عدد كبير من مسؤولي الموارد البشرية وقادة التوظيف، وقد أجمعوا على نقطة واحدة. بغية توظيف أفضل المرشحين، عليهم أن يؤمنوا لهم مكان عمل يمنحهم الفرصة للنمو مهنيًا ويعزّز قدراتهم كبشر على الصعيد الفكري، الجسدي والروحي أيضاً. بعبارة أخرى، باتت صحة الموظف وعافيته الشاغل الأساسي للمنظمات البعيدة النظر. فقد أدت السنتين الأخيرتين إلى إعادة تطوير ثقافة مكان العمل وجعلتها متمحورة أكثر حول الفرد منه حول الشركة. وقد بدأت الإدارات بالتركيز على اعتماد مقاربات دامجة تجعل محيط العمل أكثر تنوعاً، دمجاً وترحيباً بالموظف.
إنشاء مكان عمل مراعٍ
فيما أدرك القيّمون على الأعمال العلاقة المترابطة القائمة ما بين الانتاجية المستدامة وصحة الموظف وعافيته، بدأوا بإعادة النظر وإعادة تشكيل بيئات مكان العمل. ومن أبرز الآليات الخاصة بالصحة والعافية والتي تمّ دمجها في الشركات “حركة الفكر والجسم”. فسواء عبر تشجيع الموظفين لمنح الأولوية لعافيتهم النفسية أو إدراج تقنيات تأمل جديدة ضمن البرنامج الأسبوعي للموظف، فإن حركة الجسم والفكر تسلّط الضوء على تغذية الفكر، والجسد والروح. صحيح أن التكنولوجيا قد سهّلت عدداً كبيراً من أنشطتنا اليومية، إلا أنها فشلت في تسهيل بيئة العمل. وفي العمق، خلقت سوقاً أكثر تنافسية ما يلقي على عاتق الموظف مزيداً من الجداول التي تسبب له التوتر والإرهاق.
فحركة الفكر والجسم أساسية لتحسين النشاط الفكري والطاقة. وبحسب المستشارة التنظيمة كارين نوبل، يمكن للحركة الجسدية أن تزيد من قدرة المرء على التعلّم والتذكّر مع خفض مستويات التوتر في الجسم. وبالإضافة إلى ما سبق، يمكن للحركة أن توسع نطاق التفكير غير التقليدي وتعزز الأداء الأعلى. فعلى سبيل المثال، يمكن للشركات أن تدمج الحركة ضمن ثقافة الشركة عبر خلق آليات عمل توسّع التفكير النقدي والمبتكر. وهناك بعض الشركات التي تستثمر في ورش عمل التطوير، سواء حضورياً أو عن بعد، ما يعزّز قدرة الموظفين الذهنية. كما أن هناك عدد كبير من البرامج التي من شأنها أن تحسّن مهارات الموظفين أو تنمّيها. أما على صعيد الصحة الجسدية، فهناك بعض الشركات التي تملك في مواقعها منشآت صحة وعافية ولياقة بدنية يمكن لموظفيها الاستفادة منها. فيما نجد شركات أخرى تحرص على أن يكون موظفوها مرتاحين جسدياً في مكاتبهم وأماكن عملهم.
فكلّما حرصت الشركات على معاملة موظفيها على أنهم أشخاص لا آلات عاملة، كلما شهدت الشركات مزيداً من الانتاجية والانخراط في العمل. خلال الجائحة، أرخت الظروف الاجتماعية بكلّ ثقلها على البشرية، وتمّ وضع هيكليات جديدة ما بين الشركات ومجالات الصحة والعافية. واليوم، بات الشقان يمشيان جنباً إلى جنب في إطار الحديث عن تطوّر الأعمال والشركات. وبات قادة الشركات يخصصون الوقت للتعرّف إلى موظفيهم وتحفيزهم عبر منح الأولوية لصحة الموظف وعافيته أثناء دوام العمل وخارجه. فأماكن العمل الصحية تؤدي إلى العمل مع موظفين أصحاء، متحمسين وذوي أداء عال.