نحيا اليوم في عالم يشجعنا على أن نختار مهنتنا استناداً إلى ما تقدّمه هذه المهنة من ثبات واستقرار مادي. وغالباً ما يعتبر مدى تماشي هذه المهنة مع أحلامنا وطموحاتنا أمراً غير عادي.
إلا أن الدراسات قد أثبتت بأنّه حين يكون لعملنا معنى وهدفاً وحين نشعر بالاكتفاء خلال أدائنا لعملنا، فإن ذلك يعزّز أداءنا وإنتاجيتنا ويخفّف من خطر التعرّض لنكسات صحية بما في ذلك القلق والاكتئاب.
من جهة ثانية، يسهم العمل في مجال مفيد بالنسبة إلينا في بناء حسّ من الانتماء للمجتمع وعلاقات داعمة.
وخلال مقابلة أجرتها المتدرّجة في مكتبنا تالار، طلبنا من سيدة الأعمال ريما قطيش الحسيني، الرئيس التنفيذي في شركة Blessing ومؤسسة The Blessing Foundation، أن تشارك قرّائنا مسيرتها في البحث عن هدف حياتها ومعنى لعملها.
بدأت ريما مسيرتها المهنية كموظفة في مصرف، ثم بادرت وأسّست بالشراكة مع أختها متجر شوكولا فاخر أطلقتا عليه اسم Blessing، لتبادر فيما بعد إلى تأسيس مؤسسة Blessing Foundation التي تعمل على ربط النساء الرائدات في الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتعزيز دورهنّ.
تالار: ما كانت الأهداف المهنية التي وضعتها نصب عينيك في بداية مسيرتك المهنية؟
ريما: حصلت على إجازة في إدارة الأعمال، ومن ثمّ على شهادة ماجيستير في الشؤون المالية والمصرفية. وفيما كنت أعمل على أطروحة الماجيستير، اكتشفت شغفي بالشؤون المالية. وما إن حصلت على الماجيستير، انضممتُ إلى فريق Citi Bank، حيث عملت لمدّة خمس سنوات.
خلال هذه الفترة، أدركت بأنني لا أطمح لأن أكون مستقلّة على الصعيد المالي فحسب، بل أريد أيضاً أن أمتلك عملاً خاصًا بي وأن أكون المسؤولة عن القرارات التي أتخذها، وهو هدف أطمح بأن تحقّقه كل سيدة شابة. بعدها، عملت، وبالشراكة مع أختي لأؤسس شركتي الخاصة Blessing.
تالار: هل تطوّرت مسيرتك المهنية كما تأمّلت وكما خطّطت؟
ريما: نعم. كنت أملك فكرة شاملة حول الاتجاه الذي أريد للمؤسسة أن تسلكها، واتّبعت حدسي، وتحيّنت الفرص التي أتيحت لي، مركّزة اهتمامي على الأهداف البعيدة الأمدّ. وقد علّمتني هذه التجربة بأنه لا يسعنا أن ننحت أهدافنا المهنية ومسيرتنا في الحجر، بل علينا أن نكون مرنين وأن نجاري الأمور لكي نحقّق أهدافنا.
تالار: هل تحبيّن عملك؟
ريما: طبعاً! من المهمّ جداً بالنسبة إليّ وبالنسبة إلى الجميع أن يحبّوا عملهم. فأنا أكرّر دوماً على مسامع أولادي وأخبر الجميع بأن حبّ العمل يجلب لنا الإحساس بالرضى. قد لا يعود علينا عملنا بالثروة المالية، ولكن، إن كنّا نحبّ عملنا، فسنخصّص له كلّ جهدنا وكلّ طاقتنا، وسيؤدي ذلك حتماً إلى منحنا شعوراً بالسعادة وإلى تحقيق مبتغانا
تالار: أتعتبرين بأنّ مهنتك هادفة؟
ريما: نحن نعمل في مجال الهدايا، والمناسبات الخاصة وإضفاء جوّ من السعادة. ويقتضي عملنا بأن نربط الناس ببعضهم بطريقة جميلة عبر مشاركة الرسالة الأمثل خلال المناسبات الحميمة. ومن الرائع أن نرى السعادة التي ننشرها، وهذا ما يمنح معنى حقيقياً لعملي.
تالار: هل سعيت فعلياً لمنح معنى لعملك؟
ريما: كما سبق وذكرت، فإن تعزيز الروابط بين الناس من خلال الهدايا التي تقدّم في المناسبات الخاصة يمنح معنى هادفاً لعملي. والحقّ يقال، فقد أردتُ أن يكون لعملي تأثير أكبر ووددت أن أساعد المجتمع، ما دفعني إلى تأسيس مؤسسة Blessing Foundation.
تالار: متى قرّرت تأسيس Blessing Foundation، ولماذا؟
ريما: في العام ٢٠١٢، ذهبت إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في برنامج تدريب جمعني بنساء رائدات في مجال الأعمال مستعدات لمشاركة معرفتهنّ مع نساء أخريات وتقديم الدعم لهنّ في مجال الأعمال. وقد جعلني ذلك أدرك بأننا بحاجة إلى نساء يساعدن بعضهنّ البعض في عالمنا اليوم.
وحين أسّست أنا وأختي مؤسستنا، لم نلتقِ بأحد ليقدّم لنا الدعم أو النُّصح، فلو فعلنا، لكنا تمكّنا بسهولة أكبر من أن نذلّل العقبات التي واجهتنا. وانطلاقاً من هذه الخبرة، أردت أن أعرّف النساء في منطقتنا على مفهوم الإرشاد.
تالار: كيف منحت مؤسسة Blessing Foundation معنى إضافياً لعملك؟
ريما: تسعى المؤسسة للتأثير في المجتمعات، ولربط النساء بعضهنّ ببعض، وتمكينهنّ وخلق فرص للنساء في مختلف أنحاء العالم العربي. وحين لمست التقدّم الذي أحرزته العديد من هذه النساء والتأثير الإيجابي الذي كان لعمل المؤسسة عليهن، شعرتُ بأن لعملي معنى حقيقياً هادفاً.
تالار: لِم يهمّك موضوع تمكين النساء وتعزيز قدراتهنّ، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
ريما: أؤمن بأن النساء في هذه المنطقة يشكّلن مصدراً اقتصادياً غير مستثمر حتى الساعة. فللنساء قدرات هائلة، والنساء المدعومات يدعمن عائلاتهن وأصدقائهنّ. ما يؤدي إلى انتشار الدعم في المجتمع ويخلّف تأثيراً إيجابياً نحن بأمسّ الحاجة إليه في منطقة الشرق الأوسط. حين أدعم نساء أخريات، أفكّر بأولادي الذين يكبرون مع أولاد نساء متمكنات أخريات. فمن المهم بالنسبة إليّ أن يكبر أولادي في محيط محبّ وداعم.
تالار: كيف توفّقين ما بين حياتك المهنية، وعائلتك، وأصدقائك، وهواياتك واهتماماتك الأخرى؟
ريما: تحتلّ عائلتي المرتبة الأولى في سلّم أولوياتي! فأنا أؤمن بأنه لا بدّ وأن نمتلك أساساً متيناً في المنزل لكي نتمكّن من أن نعمل بشكل سليم خارج المنزل. وكعائلة، علينا أن نحيا وفق قيم راسخة وأخلاقيات تنعكس على مهنتنا ومكان عملنا.
وعلينا أن ندرك أيضاً بأننا لا نستطيع أن ننجز كلّ الأمور دفعة واحدة.فإن قضيت على سبيل المثال، بعض الوقت اليوم مع أصدقائي، ولم أخصّص الوقت الكافي للعمل، فعليّ أن أعوّض عن ذلك في اليوم التالي. ومن هنا، أسعى دوماً لإقامة توازن في كلّ ما أفعل.
تالار: ما هي نصيحتك لمن يسعى لبدء مسيرته المهنية؟
ريما: أقول لمن يبدأ مسيرته المهنية: امنح مهنتك الوقت، وكن صبوراً ومثابراً، واسع دوماً إلى أن تحبّ ما تقوم به. إعمل لهدف معيّن وستجني المال في مرحلة لاحقة.
تالار: ما كانت العقبات التي واجهتك بصفتك مالكة مؤسسة حين أسّست Blessing Foundation وكيف تخطيتها؟
ريما: على الصعيد المهني، لم نواجه الفشل، ونحن لا نزال نتطوّر ونوسّع أعمالنا. إلا أنّ الوضع الاقتصادي والسياسي في المنطقة قد حال حتماً دون تقدّمنا بالسرعة المطلوبة. فالسوق العربي مقسّم وحدوده مزعجة، ولاسيما على صعيد التوصيل عبر شبكة الانترنت.
حين قرّرت أن أطلق مؤسسة Blessing Foundation، واجهت الكثير من السلبية، وقد اعتبرت قلّة قليلة من الناس بأنني سأجد نساء مستعدات لدعم نساء أخريات. لذا، تجاهلت الآراء السلبية، وتسلّحت بإيماني الراسخ بأن مبادرتي ستنجح، فعقدت العزم وتخطيت العقبات الواحدة تلو الأخرى.
تالار: إن تسنّى لك أن تبدئي حياتك المهنية من جديد، ماذا تغيّرين فيها؟
ريما: أسعى لطلب النصح والإرشاد منذ البداية. لقد أسّست عملي وعائلتي في الوقت عينه، وكبر الإثنان بشكل متوازٍ. وبالرغم من أنني لن أسعى إلى تغيير ذلك، إلا أنني كنت لأنتقل إلى العمل في مجال جديد في وقت أسرع، إذ لدي الكثير من الهوايات والأمور التي تثير اهتمامي، لذا قد أسعى إلى تنفيذ بعض الأفكار المهنية التي تراودني.
تالار: إلى من تدينين بنجاحك؟
ريما: أدين بنجاحي إلى نظام الدعم القوي الذي أحاط بي، هذا النظام المليء بالطاقة الإيجابية. فقد كان زوجي على وجه الخصوص الداعم الأول لي، وقد شجّعني على العمل بجهد ولم يُعق تقدّمي يوماً.
إن اختيار المهنة التي تضفي على الحياة غاية ومعنى هو واحد من أهمّ الخيارات التي يمكن للمرء القيام بها لحماية صحته للمستقبل. وصحيح أن هذا الخيار محفوف بالتحديات في منطقتنا وثقافتنا، إلا أنه يستحقّ كلّ جهد مبذول في سبيل تحقيقه.