ولدت في لبنان وعشت هناك من سن الخامسة عشر إلى سن الثلاثين، خلال سنوات الحرب الأهلية التي استمرت لمدة 15 عاماً. خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت انتهاء الحرب، تفاقم الوضع بشكل مهول، وعشنا فترات طويلة من القصف، وشهدنا على الجيوش تتقاتل بشكل وحشي، وخبِرنا لحظات من القلق المريع، والخوف من المجهول، وممّا يجري حولنا، ومن سبل البقاء على قيد الحياة.
كانت كلّ هذه المشاعر متجذّرة فينا وتؤثر في كل واحد منا بحسب توازنه الفكري والجسدي.
وحين انتهت الحرب، كنت في الثلاثين من عمري، وكنت مصدومة كثيراً من الأحداث الأخيرة التي جرت في محيطي. فقرّرت أن أغادر البلاد وأذهب إلى باريس، حيث كانت ابنة عمي تعيش، وكان بوسعي الإقامة لديها.
كنا في فصل الخريف، وكانت باريس تضجّ بالأضواء، إلا أنني كنت متأثرة كثيراً بمشاعر الحرب: فما إن تبدأ الشمس بالغروب حتى أهرع إلى المنزل، لأننا اعتدنا القيام بذلك في لبنان، خوفاً من القصف أو القناصين في بداية المساء، بعد الغروب.
كان الناس يجولون الشوارع في باريس، فيما كنت بمفردي في المنزل وقد أغلقت النوافذ كلها. وفي يوم، اقترح عليّ صديق، زوجته أخصائية سوفرولوجيا أن أجرّب هذه الطريقة. لم أكن قد سمعت بهذه الكلمة من قبل، ولكنني كنت مستعدة لتجربتها لأنني أردت الخروج من حالة الصدمة التي تشلّني.
خلال الجلسة الأولى، استسلمت للنوم، وحين استيقظت، أذكر أنني شعرت بحالة رائعة، كما لو أنني أعيش في النعيم. فقد استمرت الأخصائية بالعمل حتى حين كنت مستغرقة في النوم، وقد أثمر ذلك- فعلى ما يبدو، حتى حين نستغرق في النوم، فإن فكرنا يستطيع في اللاوعي أن يسمع صوت الأخصائية وهي ترشدنا عبر تقنية التصور أو سواها من التقنيات الأخرى.
(وبحسب ما يفضّل أخصائي السوفرولوجيا، يمكنكم أن تجلسوا أو تتمدّدوا أثناء الجلسة).
خضعت لعلاج سوفرولوجيا مكثف لمدة شهر، علاج بدأ بثلاث جلسات أسبوعية، ومن ثم جلستين، إلى أن بدأت أتمرّن بمفردي.
تضمّنت الجلسات حواراً، تمارين بسيطة لتليين مفاصلي، تمارين تصوّر وتقنية تنفّس خاصة تؤدي إلى تلك الحالة الرائعة ما بين النوم واليقظة، هذه الحالة التي نختبرها إجمالاً قبل أن نخلد للنوم. في مثل هذه الحالة، يكون العقل متجاوباً تماماً مع التغييرات التي يرغب المرء بإجرائها واكتساب عادات أفضل.
ومع مرور الأسابيع، بدأتُ أشعر بالتحسّن، إذ تمكنت من أن أفرّج عن المشاعر المكبوتة، ما منحني الشعور بأنني أخف، كما بدأت الأمور التي تقلقني تختفي، والمخاوف تتلاشى، وبات فكري أكثر هدوءاً. وفي خلال شهر واحد، عدت إلى سابق عهدي. كنت متفاجئة من الطريقة التي تتحكّم فيها الصدمات النفسية بنا وبحياتنا، وكيف يمكن لعلاج بسيط، يعتمد على تقنية تنفّس بسيطة،
أن يخلّف هذا القدر من الآثار الإيجابية بهذه السرعة، كما لو أن في الأمر سحر. تجدر الإشارة إلى أنني استفدت بالكامل من العلاج لأنني أردت فعلاً التخلص من حالة الصدمة التي كنت أعيش فيها ولأنني ثابرت على الجلسات وحضرتها بشكل دوري.
أنا ممتنّة جداً لعلم السوفرولوجيا ولأخصائية السوفرولوجيا التي عالجتني، فبفضلهما معاً، عدت إلى المسار الصحيح وتمكّنت من أن أمسك بزمام الأمور في حياتي.