فيما نخطو قدماً في نواح مختلفة من حياتنا الاجتماعية، بات من الواضح بأن الكثير من الديناميكيات قد تغيّرت. وحين ننظر إلى التقدم الذي حصل، خلال السنوات الفائتة حول العالم في مجال الأعمال، نلاحظ ظهور عنصر مهيمن ضمن المنظمات الحديثة، وهي القوة العاملة الألفية. فالألفيون أو من يعرفون باسم جيل الـY، هم الأشخاص الذين ولدوا ما بين العامين ١٩٨١و١٩٩٦؛ إنهم الجيل الأول الذي ولد في مجتمع يسهل الوصول فيه إلى البيانات. وحين نتحدث عن المؤسسات التجارية الحديثة، نشير إلى الشركات التي تعتمد مقاربة جديدة على صعيد الأعمال عوضاً عن اعتمادها البنية التقليدية أو منهجية العمل القديمة. ويشكل هذا الجيل من القوة العاملة نسبة لا يستهان بها من العاملين. فعلى سبيل المثال، يشكل الألفيون نحو ٣٥٪ من القوة العاملة في الولايات المتحدة الأميركية. والألفيون يتحدون المعايير في كل مكان، وهم مستقبل عالم الأعمال، ما يجعل عملية استقطابهم وجذبهم مسألة صعبة.
وهناك افتراض شائع مفاده بأن الألفيين يتحمسون أكثر للعمل مع المنظمات التي تعتنق التغيير وتروّج لقيم اجتماعية واضحة. فبحسب ما ورد في مقال نشرته مجلة Delloite، تكثر العوامل التي تؤثر في هذا الجيل، ومنها التنوع في مكان العمل، شفافية القائد والصحة والعافية. ومن هنا، يفترض بأرباب العمل الذي يبحثون عن مواهب جيدة من الألفيين، أن يراعوا عدداً من العناصر الداخلية اللازمة للنجاح. فعوضاً عن الاتكال على التأمين والراتب الثابت، يسعى الألفيون إلى النمو المهني والفرص المتاحة. وقد أظهرت الدراسات ارتفاعاً في عدد الرائدين في الأعمال من بين الألفيين. كما تبيّن من خلال البحث الذي أجرته مجلة Delloite على الألفيين، بأن ٧٠٪ قد يرفضون فرص العمل التقليدية ويستعيضون عنها بفرص العمل المستقل إن أتيحت لهم الفرصة لذلك. ويتجه الألفيون نحو ريادة الأعمال جرّاء عدد من التطورات الظرفية المختلفة التي أحاطت بجيلهم، ومنها بيئة العمل، توقعات العمل والتكنولوجيا. وبالرغم من ذلك، يبقى العمل في الشركات الخاصة والمنظمات ضرورياً لأنه وسيلة لاكتساب الخبرة. فالألفيون يبحثون عن ثقافة عمل قوامها التنوع والخبرة الإبداعية التي تفسح المجال أمامهم للتطور. وما إن يصار إلى تأمين بيئة عمل ملائمة متمحورة حول الموظف، يجب أن يؤمن أرباب العمل الإرشاد والتوجيه للموهبة الشابة التي تزخر بالقدرات. ومن هنا، يفترض بالقادة الذين يبحثون عن نتائج فعالة وطويلة الأمد أن يكونوا منخرطين في عملية الإرشاد المستمرة لموظفيهم. وعبر إرشاد الخريجين الجدد، فهم يصقلون موظفين مسترشدين ونافعين. وبدورها، تعود برامج الإرشاد بالنفع على المرشد والمتدرب في آن، فالمتدربون يحققون نسب استبقاء أعلى في مناصبهم في الشركة، فيما يدخر المرشدون المال من خلال هذه العملية.
وبشكل مواز، لقد رفع الألفيون الرهان عند التطرق إلى موضوع الدمج، العافية، ولاسيما الأجر الزهيد. فناهيك عن إصرارهم على العمل ضمن بيئة مريحة، ووفق قيم اجتماعية واضحة، ونتائج ذات وقع، يظهر الألفيون حزماً على صعيد الأجر الزهيد. فقد أظهر المسح الذي أجرته مجلة Delloite، والذي بات معروفاً باسم المسح العالمي للألفيين، نتائج متشابهة على صعيد عدم رضى هذا الجيل عن الرواتب. وقد اتسعت الفجوة بشكل كبير بعد جائحة كورونا، إلا أن ملامحها كانت قد بدأت تظهر قبل الجائحة. وقد أعرب المشاركون في مسح مجلة Delloite بأن المكافآت المالية المتدنية والرواتب المنخفضة دفعتهم للتفكير بترك وظائفهم خلال السنة أو السنتين القادمتين. وما بين العامين ٢٠١٩و ٢٠٢٠ ، تراجع عدم الرضى عن القيم الاجتماعية مقارنة بمستوى الأجر الجيد. وبالرغم من ذلك، لم تقلل هذه النتائج التي تم التوصل إليها من أهمية الأثر الثقافي والاجتماعي للألفيين في مكان العمل.
اليوم، باتت الأجيال الناشئة تبحث عن عملا وعن خبرة متنامية وبيئة عمل مثمرة. وبدورهم، يبحث الألفيون الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرينات والثلاثينات عن فرص عمل محفّزة، تعتمد على منهجية عمل صحية وأجر عادل. يتمتع الألفيون بقدرات عملية هائلة وهم يتوجهون نحو ترؤس السوق في المستقبل. وفيما تدرك المؤسسات أهمية هذه الظاهرة، تراها تعدّل بنيتها لتتلائم أكثر مع مستلزمات توظيف الألفيين الموهوبين والحفاظ عليهم. فعوضاً عن تقديم عروض تقليدية ومناصب عادية، يفترض بالإدارات أن تسلط الضوء على جذب الموهبة الملائمة والحفاظ عليها.