بحسب العلماء والأطباء، تعتبر المضادات الحيوية أسلحة سحرية تستخدم لمعالجة الالتهابات البكتيرية التي تسبب عدداً كبيراً من الأمراض التي تتراوح ما بين الإسهال وصولا إلى الوفاة في بعض الأحيان. بشكل وسطي، يأخذ المرء ثلاث جرعات من المضادات الحيوية في السنة. وباختصار، تستطيع هذه الأسلحة أن تدمر البكتيريا أو تخفض قدرتها على النمو، بسبب مجموعة من التفاعلات الكيميائية، وبالتالي، فهي تساعد نظامنا المناعي على محاربة الالتهابات.
ومع الوقت، تمكنت البكتيريا من أن تطور طرقاً ذكية لتفادي تأثيرات المضادات الحيوية، فعرفت هذه الحالة باسم “مقاومة المضاد الحيوي”. وبالرغم من أنه خلال سبعينيات القرن الفائت، كانت معظم أنواع البكتيريا تتجاوب مع معظم أنواع المضادات الحيوية، بات اليوم من أبرز المخاوف ازدياد مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. وبشكل مثير للاهتمام، يمكن للبكتيريا أن تعدل في تركيبتها، وحمضها النووي وأن تمنع المضادات الحيوية من أداء أدوراها. وقد دفع ذلك بالعلماء إلى اعتبار البكتيريا “مخلوقات ذكية غير مرئية”. وبشكل عام، بات من الصعب أكثر فأكثر معالجة البكتيريا المقاومة مقارنة بتلك غير المقاومة، وهنا يظهر التحدي بالنسبة إلى العلماء في تطوير مضادات حيوية جديدة من شأنها أن تقتل أنواع جديدة من البكتيريا المقاومة.
خلال العقود الفائتة، ظهرت ظاهرة “مقاومة المضادات الحيوية” بسرعة مخيفة في مناطق الحروب حيث تزخر الأسلحة بكميات كبيرة من المركبات السامة التي من شأنها تعزيز التغييرات البكتيرية السريعة. ولسوء الحظ، وجرّاء التوتر الزائد في منطقة الشرق الأوسط، فإن البكتيريا تتغيّر بسرعة ويواجه العياديون صعوبات جمة في علاج الالتهابات. وبحسب منظمة الصحة العالمية ومركز مكافحة الأمراض واتقائها، يصاب كل عام في الولايات المتحدة الأميركية أقله ٢ مليون شخص بالتهابات مقاومة للمضادات الحيوية، ويموت على الاقل ٢٣ ألف شخص جراء ذلك. ومن دون اتخاذ أي إجراءات حاسمة، وبحبول العام ٢٠٥٠، من المتوقع أن ترتفع معدلات الوفيات حول العالم بسبب الالتهابات المقاومة للمضادات الحيوية بسرعة صاروخية لتصل إلى ١٠ ملايين شخص.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن سوء استعمال المضادات الحيوية هو عامل هام في ازدياد عملية مقاومة المضادات الحيوية. إذ لا يجب تناول المضادات الحيوية من دون وصفة طبية. بعبارة أخرى، فإن معالجة البكتيريا غير المقاومة بجرع غير ضرورية من المضادات الحيوية تسمح للبكتيريا بأن تتكيف مع المحيط ويؤدي إلى تعديل بكتيري سريع. فعلى سبيل المثال، يجب عدم معالجة آلام المعدة بالمضادات الحيوية بشكل مباشر، إذ يؤدي ذلك إلى آثار سلبية في المستقبل على مستوى النقص في العلاجات. فبحسب العلماء، تحيا البكتيريا والمضادات الحيوية في سباق مستمر. وفي يومنا هذا، بات تطوير أدوية جديدة لمعالجة الالتهابات واحداً من أكبر التحديات التي يواجهها العلماء.
ومن أبرز التأثيرات الخطرة لسوء استخدام المضادات الحيوية تطور أنواع مختلفة من السرطان، مثل سرطان الرئتين، والبروستات، والقولون، والبنكرياس، والمثانة والكلى. وبموازاة ذلك، أعادت الأكاديمية الأميركية لطبّ الأطفال النظر في التوجيهات التي تقدمها حيال معالجة التهابات الأذن، وذلك جراء الآثار الجانبية المتعددة للمضادات الحيوية. فالاستخدام المبكر للمضادات الحيوية من شأنه أن يكون الشرارة لتطوير السرطان، ولاسيما لدى الأطفال.
وفي هذا الصدد، لا بدّ من أخذ الكثير من التدابير الاحترازية لخفض سرعة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. والأهم من ذلك، هو عدم اعتماد علاجات خاصة من دون استشارة طبيب في حالة الالتهابات البكتيرية.
وبشكل عام، غالباً ما يكون مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي معرّضين لخطر الإصابة بالالتهابات البكتيرية. وفي مثل هذه الحالة، فإن العلاجات المتكاملة لجرعات مختلفة من أنواع مختلفة من المضادات الحيوية قد يكون الحل الأمثل، وذلك بحسب مستوى المقاومة البكتيرية.
تجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية تقوم، وبشكل مستمر، بتحديث قائمة المضادات الحيوية والجرعات الموصى بها لأنواع الالتهابات الكبرى. ولا بدّ من الالتزام بهذه التوجيهات بحرفيتها تفادياً لأن تتخذ منظمة الصحة العالمية ومراكز التحكم بالأمراض تدابير قاسية بحق المخالفين.
وختاماً، نشير إلى أن الحفاظ على النظافة الشخصية والنظافة المنزلية أداتين فعالتين لحصر انتشار البكتيريا.
ولسوء الحظ، تشكل الحروب عوامل هامة في الانتشار السريع للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط، وهذا واقع مخيف يستدعي التدخل بشكل سريع والقيام بتحركات جذرية.