الأخوات الصديقات

بقلم صفاء جواد

غالباً ما نجد سمة مميزة حين تلتقي مجموعة من النساء فيجتمعن معاً ليعبّرن عن مكنونات صدورهنّ. فحين تتشارك النساء مشاعرهنّ العميقة مع بعضهنّ البعض، وتفضين، وبكثير الضعف، بكل ما تعانين منه، سواء أكان على الصعيد الجسدي أو العاطفي، تشفى أرواحهنّ بشكل سحري. ولا بدّ وأنكم تلاحظون بأن النساء يتطلعن لهذه اللقاءات ويعتبرنها هدايا فريدة من نوعها ولحظات ثمينة، حتى ولو اقتصر اللقاء على تناول فنجان قهوة. فتنتظر النساء على أحرّ من الجمر سماع أخبار صديقاتها ومشاركتهنّ أخبارها، وتتبادل النساء في مثل هذه اللقاءات عدداً كبيراً من الخبرات التي لن يفهمها أحد سواهنّ. وسواء أكنّ سعيدات بحيلة صغيرة اختبرنها في وصفة طعام، أو منزعجات من النفخة التي تعانين منها، فنحن على ثقة تامة بأن “صديقاتنا أخواتنا” سيفهمن تماماً ما نمرّ به. وبالتالي، نتطلّع لنشاركهنّ أخبارنا أو سماع أحداثهنّ الاجتماعية، وإنجازاتهنّ العملية، أو بعض الظواهر الجسدية أو النفسية التي يعشنها، والإصغاء إلى قصصهنّ العائلية، أو حتى سماع رأيهنّ بلون الصبغة الجديد، الذي لن يلاحظه أحد سواهنّ، مع الأمل بأن يلقى إعجابهنّ. ضمن مجموعة “الأخوات الصديقات”، تجدن مستشارة التجميل وخبيرة الموضة، ومرشدة التسوق الشخصي، والمثقفة المُلمّة بالكتب، والطبيبة النفسية حافظة الأسرار، وخبيرة الطعام والناقدة الرفيعة المستوى، وخبيرة شؤون الأسرة، وسواهن من النساء اللواتي يشكّلن كلّ ما يربطكنّ بالعالم. وتجدن أيضاً “المرشدة، والمشجعة، والشخص الذي تتصلن به في الحالات الطارئة، والسيدة المؤمنة، والمُصغية الحقيقية، والصريحة والصادقة”. وبعبارة أخرى، تجدن في ” الأخوات الصديقات” جيشاً من شفاة الروح المميّزات الفريدات من نوعهنّ. بعد الأزمة التي عشتها، وقبل ذلك حتى، بدأت أحسّ برغبة ملحّة بأن أوسّع نطاق دائرة ” الأخوات الصديقات” من حولي. أخوات صديقات ساهمن، وبكلّ رقة وحزم، في تحسين صحتي وعافيتي بشكل عام، وكان لهنّ أشدّ الأثر بعد ذلك في تعزيز شفائي النفسي، وذلك انطلاقاً من قدرة النساء على بلسمة الجراح وترميمها لدى بعضهنّ البعض. وبالطبع، أدّت بعض النساء أدوارهنّ بشكل أفضل من سواهنّ، ولكن أظهرت معظم النساء اللواتي تفاعلت معهنّ خلال فترة معاناتي رأفةً، وتفهّماً وتعاطفاً عفوياً. خلال مسيرتي، صادفتُ أمهات، بنات، بنات حمى، وصديقات، مدربة يوغا، معالجة فيزيائية، زميلات في نادي المطالعة، ومدربة شخصية، موثِّقة، ممرضة، عضوات في مجموعة دعم مريضات سرطان الثدي، وغيرهنّ من السيدات التي قدّمن لي مبادرات ملفتة وأعمال أضاءت أيامي وجعلتها أكثر إشراقاً. حضرت منيرة إلى منزلي كل يوم لإعداد الغداء، وعرّفتني حنان على الأدوية العشبية لتعزيز مناعتي. وطيلة أشهر وأشهر، أرسلت لي نهاد صباح كل يوم رسالة تطمئن فيها إلى حالي، أمّا نويل فكانت تحضر لتصلّي معي. وأطلعتني كيم على الشامبو الذي يُستحسن بي استخدامه، وقدّمت لي إيمان عناوين مزودي الملابس الداخلية الخاصة بمن خضعن لعملية اسئصال الثدي، فيما عرّفتني نينا على عدد من العلاجات المكمّلة. شاركت نساء من مختلف الأعمار والخلفيات صوراً لهنّ على منصات التواصل الاجتماعي، وهنّ يضعن الأوشحة على رؤوسهنّ تضامناً معي. وأحضرت لي بعض “الأخوات الصديقات” زهوراً طبيعية، وأطايب، وكتباً ملهمة، وتشاركنا الضحكات، والدفء والألفة التي ترفع من المعنويات. وصادفت نساء بالكاد أعرفهنّ، ابتسمن لي بكل تعاطف وأومئن قائلات: “قد لا نكون من صديقاتك المقربات، ولكننا مستعدات لدعمك والوقوف إلى جانبك”. وتطول اللائحة وتطول، لائحة بأسماء النساء اللواتي اتّصلن بي وزرنني بشكل دوري، وأكدت لي عدد من السيدات اللواتي شفين من سرطان الثدي بأن الأمور ستتحسن، وهذا ما حصل فعلاً! بكت “الأخوات الصديقات” معي ومن أجلي. ولم يكن ذلك بداعي الشفقة، تماماً كما حصل حين قالت لي تلك السيدة المسنّة على الانترنت: “لن أقول لك بأن تتخطي ما يحصل، بل على العكس سأقول، سأقف إلى جانبك لأساعدك على أن تتخطي هذه الأزمة”. كثيرات وكثيرات أرسلن لي الرسائل، واتصلن، وهتفن مشجعات، وشعرت بوجود ذبذبات شفاء غير مرئية، أشبه بالتخاطرية، تدور وتنشط بحضور هؤلاء النساء. ولوهلة، أردت أن ألتقط صوراً فعلية وصوراً ذهنية لمثل هذه اللقاءات لكي “أوثّق” اللحظات التي عشتها وأنا في صحبة هؤلاء النساء، علماً أنني كنت على معرفة تامة وواعية بأنّ قدرتهنّ على الشفاء “حقيقة” و”آنية”. وأردت أن أتشبّث بآلية العلاج هذه، لأطول وقت ممكن.

اليوم حتى يومنا هذا، مازالت مشاعر الدهشة والرهبة والجلال تتملكني. ويكفي أن أقرأ ما دوّنته منذ نحو خمس سنوات لتغرورق عينيّ بالدموع. وبمجرد التفكير بأنني لم أرد الجميل بشكل ملائم، ولم أشكر هؤلاء النساء على دعمهنّ ولطفهنّ يُثقل قلبي أحياناً. ولكن، أعود وأفكّر، وأصلي، وأدعو ألا تواجه أيّ منهنّ الضيق، وألا تحتجنني يوماً لأردّ لهنّ الجميل. بل على العكس، أرى اليوم بأن الوقت قد حان لردّ الجميل إلى نساء أخريات. أنا في غاية الامتنان لمجموعة دعم مريضات سرطان الثدي، التي تمنحني الفرصة لمساعدة من هنّ بحاجة للمساعدة، وأنا أحرص دوماً على أن أجري محادثات طويلة وأشارك خبرتي مع مريضات أصبن مؤخراً بسرطان الثدي، يلجأن إليّ طلباً للمشورة والاستبصار. فبعد أن اختبرت قوى الشفاء السحرية التي تتمتع بها “الأخوات الصديقات”، أخصّص، وبكل سرور، الوقت لإرسال ذبذبات شفاء لأخواتي صديقاتي المصابات بالمرض. صحيح أنه يقال “وراء كلّ امرأة ناجحة في المجتمع نساء أخريات يدعمنها”، إلا أنني أثني على ذلك وأقول: “خلف كلّ سيدة شُفيت روحها، مجموعة من النساء اللواتي ثبتن راسخات وداعمات من أجلها وأرسلن لها ذبذبات إيجابية رافعة للمعنويات”.

ربما يعجبك أيضا