ضياء العلاقات

بقلم صفية السعد
كلي ثقة وإيمان بأن قلوبنا هي مصدر قوتنا. فنحن نشعر بالحزن والانفصال حين تكون قلوبنا حزينة ومثقلة بالهموم. وفي هذا الإطار، تعدّ الكلمة المفتاح هي الانفصال، نعم الانفصال والابتعاد عن ذواتنا وعن العالم من حولنا. بعبارة أخرى، نحيا في عزلة ونسبح في بحر من المشاعر المتعبة، كفقدان الأمل، والخوف، والإحباط، فتتلاشى قوتنا. ومن جهة أخرى، إن كانت قلوبنا مرتاحة وغير مثقلة بالهموم، تجدنا على تواصل وترابط مع أنفسنا ومع العالم من حولنا. وحينها، يشعّ نورنا، ونطلق ذبذبات أكثر قوة تنبض شجاعة، وارتباطاً، وابتكاراً وتناغماً، فتُدوّي قوتنا. وما السبيل لنبقي قلوبنا صحية؟ تتجلّى الإجابة على هذا السؤال من خلال شبكة علاقاتنا. فبحسب قاموس أوكسفورد، يعرّف مصطلح “العلاقة” على “أنها حالة الارتباط”. فالتواصل هو في قلب علاقاتنا، وهو الصمغ الذي يبقينا كاملين متكاملين. وفي هذا الإطار، قال دكتور دانييل سيغيل، وهو أخصائي علم نفس، وأستاذ في علم النفس العيادي في كلية الطب في جامعة UCLA، بأن مسيرة علاقاتنا، التي نرتبط من خلالها كبشر، تبدأ في سنّ مبكرة، وتحديداً في سنّ أبكر مما تخيلنا يوماً. فالتواصل يبدأ ما إن يتواصل واحد من ملايين الحيوانات المنوية مع بويضة واحدة ليشكل جسماً في رحم المرأة. ومنذ تلك اللحظة، تبدأ شبكة تواصلاتنا بالتوسع تدريجياً ما إن نبصر النور. وبحسب نظرية أبراهام ماسلو الخاصة بالدافع البشري، يبدأ جسمنا بإيصال حاجاته بدءاً من حاجاته الأساسية كالجوع، وصولاً إلى الحب، والانتماء، وإدراك الذات. فعلاقاتنا هي في قلب حاجاتنا الإنسانية. إنها مسألة متعددّة الأبعاد، تبدأ من علاقتنا بأنفسنا، وبالآخرين، وبالبيئة المحيطة بنا، وتصل إلى الكون الواسع. وفي صميم شبكة العلاقات هذه، نجد الرابط مع أنفسنا، وهو الرابط الذي نعكس من خلاله روابطنا الذاتية مع الآخرين. أؤمن بأننا مسؤولين عن عالمنا. تبدأ هذه المسؤولية من صميم ذاتنا، من الطريقة التي نتواصل فيها مع أنفسنا، والطريقة التي نلاحظ فيها مشاعرنا، والطريقة التي تصلنا فيها هذه المشاعر. إذ قد يعبّر الحزن عن الوحدة، والغضب عن التوق للمضي قدماً. وقد يشير الخوف إلى إحساسنا بالصِّغر، وكما قال جوزيف ف. نيوتن مان: “يشعر الناس بالوحدة لأنهم يبنون جدراناً عوضاً عن الجسور”. ما هي مسؤولياتكم؟ تقتضي مسؤوليتنا مراقبة مكانتنا وكيفية القيام بالخطوة الأولى لكي يشعّ ضياءنا. ومن هنا، فإن اعتماد المقاربة السليمة يقتضي اعتماد مقاربة شاملة حيال ذواتنا. ولذا، علينا أن نجعل دماغنا ينمو على “حمية غذائية سليمة للدماغ”. ومن أبرز المقوّمات وأهمّها بالنسبة إليّ “طبق الفكر السليم”، المبيّن في الرسم البياني أدناه. كما هو مبيّن في الرسم البياني، فإن الوقت المخصص للتواصل، هو واحد من المقوّمات الرئيسية للفكر السليم. وفي هذا الإطار، يقول دكتور دانييل سيغيل: “حين نتواصل مع الآخرين، ولاسيما على الصعيد الشخصي، وحين نخصّص الوقت لنقدّر ارتباطنا مع العالم الطبيعي المحيط بنا، فنحن ننشط دارة العلاقات الخاصة بالدماغ ونعزّزها”. وبالإضافة إلى ما سبق، ترتبط معظم المقوّمات بعلاقتنا مع أنفسنا. وحين ننام، نعيد شحن طاقتنا، وحين نمارس التمارين الرياضية، نتواصل مع جسمنا، وحين نركّز، نتواصل مع دماغنا. أما حين نصغي بصمت إلى الصوت الداخلي في نفوسنا، فنتواصل مع مشاعرنا، وحين ننفصل عن كلّ ما يحيط بنا ونذهب في إجازة، فنحن بذلك نمنح دماغنا إجازة أيضاً. وأخيراً، حين نمرح ونتسلّى، نتواصل مع الطفل الكامن في أنفسنا وننشطه من خلال التعلّم والإبداع. كيف تتخيلون وضع قلبكم حين تزوّدونه بهذه النشاطات الخاصة بمقوّمات الفكر السليم؟ سيكون حتماً قلباً يشع ضياء، وبالتالي سيظهر ضياؤه من خلال شبكة علاقاتكم، فتصبحون بدوركم نور هذه العلاقات وضياؤها. وقد أجاد رومي حين قال: “هناك شمعة في قلبكم، شمعة تنتظر أن تُضاء. وهناك فراغ في روحكم، فراغ جاهز لأن يُملأ، ولا بدّ وأنكم تشعرون بذلك، أليس كذلك؟” فبفضل قلوبنا التي تشعّ ضياء، نبني جسوراً بيننا وبين الآخرين. فنرى الأمور من منظار مختلف، ونصغي من كل قلبنا إلى قصص الآخرين، ونقدّر أبسط الأمور، ونخلق دائرة من الحبّ من حولنا، وفي النهاية نتواصل مع الآخرين.

ربما يعجبك أيضا