من التشخيص الخاطىء إلى التمكين: مسيرة مدربة صحة لكشف الحقائق المخفية لمشاكل الأمعاء

بقلم ميساء زريقات

أروي لكم في ما يلي قصة حبّ، قصة حبّ أمّ لصغيرها ذو الوجنتين الزهريتين. إنها قصة غيّرت مسار حياتي من صحفية إلى مدرّبة صحة متكاملة في سنّ الخمسين.

حين كنت أمّاً، لم أكن أملك أدنى فكرة بأن وجنتي طفلي الحمراوين الرائعتين ستقودانني إلى سنوات من الزيارات التي لا تحصى ولا تعدّ إلى غرفة الطوارىء في المستشفى وإلى أكثر من خمسين استشارة طبية. وقد استغرقني وقت طويل قبل أن أحدّد وجود علاقة ما بين وجنتيّ طفلي الحمراوين وصعوبة إرضائه في الأكل واضطراب الأمعاء والتأكد من أن السبب وراء ذلك هو حساسية تجاه الطعام.

وبالرغم من أنه تمّ تشخيصه، وبشكل خاطىء، على أنه مصاب باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، وقد رفضت عائلتنا هذا التشخيص والأدوية التي وصفها الأطباء. فقد آمنتُ بشدّة بأن تشخيص حالة ابني يستدعي أكثر من استشارة مدتها عشر دقائق ووصفة طبية.

تعرف الأم متى يكون هناك خطر يحدق بصحة ابنها. وفي حالة دانيال، كان طفلاً صغيراً سعيداً، ذكياً، ظريفاً لا يعاني من أية مسائل سلوكية. وصحيح أنه طفل هزيل، صعب الإرضاء بتناول الطعام، إلا أنني، وبصفتي مدرّبة صحة، بتّ أدرك بأن المشاكل الهضمية من شأنها أن تسبّب صعوبة الإرضاء في تناول الطعام. فمن تكون أمعاءه مرتاحة وتعمل بشكل سليم، يشعر بالجوع، أما من يعاني من إمعاء غير مرتاحة ويشعر بالألم، فسيواجه صعوبة في تناول كل أنواع الأطعمة، ما يجعله انتقائياً وصعب الإرضاء. إلا أنه، ولسوء الحظ، فإن أطباء الأطفال الذين استشرناهم لم يبدوا أي رغبة في البحث عن الأسباب الطبية الكامنة وراء التشخيص الأولي الذي كانوا يقومون به.

أذكر تماماً بأنه، وحين ولد دانيال في الولايات المتحدة الأميركية، كان يعاني من الاكزيما. وقد أبدى الطبيب في غرفة الولادة مخاوف حيال تاريخ العائلة مع مرض الربو، ونصحنا بتفادي حليب البقر خلال السنتين الأولتين من حياة دانيال. لذا، قمت بإرضاع دانيال لستة أشهر، ومن ثم، بدأنا بإعطائه حليب الصويا، إلى أن بلغ الثانية من عمره، وذلك بناء على تعليمات الطبيب.

ومع الوقت، ازدادت صعوبة إقناع أطباء الأطفال بوجود علاقة ما بين اللاكتوز والاكزيما. وبالرغم من اختفاء الاكزيما، وانتقالنا إلى أكثر من بلد، واستشارتنا لأكثر من طبيب، كان الكثيرون يعتبرون رأيي غير منطقي. وفي النهاية، استسلمت، وبدأت بعلاج دانيال بالأدوية؛ وقبلت، وللأسف، باعتماد الحلّ الإسعافي القائم على ردّ الفعل، أي العلاج المُعتمد في الطبّ التقليدي، حيث يطبّق علاج واحد على الجميع. وكانت النتيجة أن دفعنا جميعنا ثمن هذه الغلطة.

قيل لي بأن ابني يعاني من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط… لم أعرف علام استندوا لإصدار هذا التشخيص. وظللت أسأل نفسي وأفكر، فمنذ الحضانة إلى الصفوف الابتدائية، لم يظهر دانيال أي مشكلة سلوكية أو تصرف مندفع على صعيد التعلّم. إلا أنه، وحين دخل مرحلة المراهقة، ازداد توتره وتراجعت قدرته على التركيز. وبالرغم من ذلك، رفضت منحه المحفّزات الذهنية من دون أن أبحث عن حالات محتملة أخرى من شأنها أن تظهر عوارض مشابهة. علماً أن القلق كان حالة لا يعاني منها دانيال وحده في أسرتنا.

صحيح أنني لست بطبيبة، إلا أنني، وكأم، كنت على يقين بأن العوارض مترابطة وكنت مصرّة على إيجاد الأجوبة. فالمثل القائل “الأم تعلم” صحيح.

وكأمّ، بدأت أتلمّس طريقي نحو الطبّ الوظيفي، والمعالجة المثلية، وطبّ أيورفيدا واكتشفت بأن الحمية الغذائية الخاطئة والأدوية هي ما سبّب المشكلة. وفي المقابل، أدركت بأنّ اعتماد الحمية الغذائية السليمة، وتعزيز الوعي، وتناول بعض المكمّلات الغذائية هو الحلّ. وبفضل طبيب يمارس الطبّ الوظيفي، استطعنا أن نكتشف بأن عدم القدرة على هضم الحليب، وهي المشكلة التي عانى منها دانيال في البداية، هي التي أدت إلى مشاكل هضمية، تجلّت عبر النقص في التركيز، الذي أسيء تشخيصه واعتبر اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.

وتبيّن بأن عدم الاتزان في الميكروبات المتعايشة مع الانسان الموجودة في الأمعاء، تخلّف آثاراً سلبية على الصحة، بدءاً من فقدان الشهية، إلى تفضيل أنواع معينة من الأطعمة، إلى ضبابية في التفكير، ونسيان، وتؤثر على تطور الدماغ، وتسبب القلق وسواها من العوارض الأخرى.

وحينها، وجدت الأجوبة على كل أسئلتي. وبعدها، تسجلت في عدد من ورش العمل، والمؤتمرات، وبدأت بتثقيف نفسي حتى أتمكن من فهم الأمور بشكل أفضل، وبالتالي مساعدة ابني. وفي سعيي وراء ذلك، تواصلت مع أمهات أخريات واجهن تحديات مشابهة، واختبرن مقاربات صحية مختلفة. وقد مكّنتني هؤلاء الأمهات وفتحن عينيّ على منظور كليّ وشامل للصحة والعافية. وفي النهاية، تسجلت في معهد للصحة التكاملية في نيويورك، حيث كرّست سنتين من عمري للدراسة، إلى أن أصبحت مدرّبة صحة مجازة.

وخلال مسيرتي هذه، لم أعثر فقط على حلول لابني، بل وجدتُ نفسي أيضاً. واكتشفتُ شغفي ورغبتي بمساعدة الآخرين على أن يعيشوا حياة أكثر سعادة وأكثر صحة. فبفضل حبيبي دانيال، ومدفوعة بعزم وتصميم راسخ، تحوّلتُ من أم قلقة إلى مناصرة ملمّة ومطلعة على مفهوم الصحة والعافية الشامل والمتكامل.

والآن، وبصفتي مدرّبة صحة شاملة وتكاملية، استندت إلى خبرتي الشخصية والحكمة التي اكتسبتها من عدد من أساليب الشفاء المختلفة. واليوم، فأنا أدعم وأوجّه الأهل الذين يعانون من تحديات مماثلة على صعيد صحة أولادهم. ومعاً، نكتشف الروابط العميقة التي تربط ما بين الحمية الغذائية، وصحة الأمعاء، والصحة والعافية بشكل عام.

وتستمر قصة حبي وتنمو فيما أشهد على القدرة التحولية للمقاربة الكلية في حياة العائلات التي أعمل معها. فذلك خير شهادة على مرونة حبّ الأم وعلى الاحتمالات التي لا تعدّ ولا تحصى على صعيد الكشف عن الأسباب الكامنة وراء المشاكل الصحية.

اليوم، أسعى لنشر التوعية وتمكين الآخرين من اعتماد مقاربة صحية شاملة ومتكاملة. فأنا أساعد الأفراد والعائلات على الوصول إلى الصحة والعافية وإعادة اكتشاف سعادتهم وفرحهم من خلال خطط معدّة خصيصاً بحسب الطلب، وإجراء تغييرات في نمط الحياة، واعتماد علاجات طبيعية.

ما رويته على مسامعكم ليس قصتي أو قصة دانيال فحسب، إنها قصة حبّ، ومثابرة، قصة القوة التحولية التي يتمتع بها مفهوم الصحة والعافية الشامل والمتكامل. ويسرني ويشرفني بأن أتشارك هذه القصة معكم، قصة تجسد مسيرتي نحو مستقبل أكثر صحة وأكثر سعادة.

ربما يعجبك أيضا