يزخر عالم التغذية بنصائح متناقضة، تصعّب علينا أن نحدّد ما هي الأطعمة التي علينا أن نتناولها، وما هي تلك التي يستحسن أن نتفاداها. أما الخبر السار، فهو بأنّ ما نتناوله هو نصف المشكلة فقط، أما النصف الثاني والأهم فهو أن نعرف كيف نأكل. تزداد نسب السمنة، مع ارتفاع المخاوف حول شكل الجسم، والإفراط في تناول الطعام، والأكل بدوافع عاطفية، وسواها من العادات الغذائية غير المرغوب فيها.
فنحن لا نتناول الطعام دوماً لإشباع جوعنا. إذ يلجأ العديد من الأشخاص لتناول الطعام للحدّ من التوتر، أو مكافأة أنفسهم، أو لكي يشعروا بحال أفضل.
ومن هنا، يظهر الاختلاف ما بين تناول الطعام لدوافع عاطفية، أو ما يعرف بالأكل العاطفي، وتناول الطعام بسبب الجوع الجسدي، إذ يهدف الأكل العاطفي إلى جعلنا نشعر بحال أفضل، ونلبيّ حاجاتنا العاطفية أكثر منه إشباع المعدة. فحين تلجأون للطعام لكبت مشاعركم، أو التخفيف من حدّة التوتر، أو مكافأة أنفسكم، فأنتم عالقون في حلقة غير صحية لا تواجهون فيها المشكلة الأساسية أو الشعور الحقيقي الذي يتملّككم.
ومن هنا، من الضروري أن تدركوا الفرق ما بين الجوع العاطفي والجوع الجسدي وذلك حتى تتمكّنوا من كسر هذه الحلقة المفرغة.
تتمحور الخطوة الأولى في التحرّر من حلقة الأكل العاطفي حول تحديد مسبّبات هذه الحالة. ما إن يتمّ تحديدها، يمكنكم أن تفككوا الأسباب التي تدفعكم إلى الأكل العاطفي وتبحثوا عن الحلول الملائمة لها.
ومن أبرز أسباب الأكل العاطفي:
- التوتر
- كبت العواطف
- الضجر أو الشعور بالفراغ
- عادات الطفولة: هل كان أهلكم يكافئونكم على السلوك الحسن بتناول البوظة، البيتزا، الشوكولا؟ غالباً ما يتم نقل هذه العادات إلى عمر البلوغ.
- التأثيرات الاجتماعية: من السهل الافراط في تناول الطعام لمجرد أن الطعام متوفر أو لأن الجميع يتناولون الطعام.
بدّلوا أفكاركم ومشاعركم المتعلٌّقة بطريقة تناولكم الطعام وغيّروا علاقتكم بالطعام، وبجسمكم وبصحتكم وعزّزوا الأيض واجعلوا تناول الطعام خبرة ممتعة وغنية عبر:
- تأثير الاسترخاء أثناء تناول الطعام على الأيض
- تأثير الإدراك أثناء تناول الطعام على الأيض
- تأثير التلذّذ أثناء تناول الطعام على الأيض
يعرّف الأيض على أنه إجمالي التفاعلات الكيميائية في الجسم، إضافة إلى إجمالي أفكارنا، ومشاعرنا، ومعتقداتنا وخبراتنا.
تأثير الاسترخاء أثناء تناول الطعام على الأيض
عند الشعور بالتوتر، أو حين نتناول الطعام بسرعة، نرسل إشارة بالتوتر إلى أجسامنا، فيفسّر الجسم هذه الظاهرة على أننا نعاني من حالة تهدّد الحياة، وبالتالي يتمّ تشغيل آليات السلامة فتتسارع دقات القلب، ويرتفع ضغط الدم، ويطلق الجسم الكورتيزول، ويغلق نظام الهضم بشكل كامل.
بعبارة أخرى، نشير إلى أن الجزء نفسه من الدماغ الذي يشغّل عملية التوتر، يطفىء عملية الهضم. وبالعكس، فإن الجزء الذي يشغل الاستجابة للاسترخاء في الدماغ يشغّل قوة الهضم الصحية والكاملة.
وبالإضافة إلى ما سبق، وخلال مستويات التوتر المزمنة المنخفضة، ومستويات التوتر العالية، يفرز الجسم كميات كبيرة من الكورتيزول ما يؤدي إلى تكديس الدهن وعدم تكوين أي عضلات، إضافة إلى انخفاض في نسبة حرق السعرات الحرارية (الأيض)، ما يؤدي إلى كسب الوزن.
لذا، تذكروا بأن الشعور بالقلق حيال الدهون المتراكمة، يجعلكم تسمنون.
فتناول الطعام الصحي هو نصف ما هو مطلوب للحفاظ على الصحة، أما التمتع بالذهنية والوضع النفسي الملائم للهضم وتخزين الطعام في الجسم فهو النصف الآخر.
تأثير الإدراك أثناء تناول الطعام على الأيض
هل سبق لكم أن تناولتم وجبة طعام كبيرة، من دون أن تنتبهوا إلى حجمها الفعلي، وبعد انتهائكم من تناول الطعام، لاحظتم بأن بطنكم منتفخ للغاية، إلا أنكم لا تزالون تشعرون بالجوع.
تبدأ عملية الهضم في الدماغ، فيما ترسل المستقبلات الكيميائية والآلية الموجودة على اللسان والأجواف الفموية والأنفية رسائل إلى الدماغ، علماً أن ما يحفزها هو روائح الطعام، ومذاقها، وطريقة مضغها، ورؤيتها. فعند رؤية وجبات الطعام، يتمّ إفراز الريق، والأحماض المَعَدية والأنزيمات، والنَسيج اللِمْفانِيُّ المُرْتَبِطُ بالمِعى، إضافة إلى مجموعة كاملة من الأنزيمات المرتبطة بالبنكرياس.
ويترجم هذا النقص في الاهتمام بالطعام إلى انخفاض دفق الدم في أعضاء الجهاز الهضمي، ما يعني، وصول كمية أقلّ من الأكسجين، وبالتالي إضعاف قوّة الأيض.
ويحصل الأمر نفسه عند تناول الطعام أثناء العمل، ومشاهدة التلفاز أو القيادة.
فحين نتناول الطعام بشكل سريع للغاية أو لا نلاحظ الطعام، فإن الدماغ يفسّر هذه الخبرة على أنها جوع. فكلّ بساطة، يقول الدماغ: “أنا لا أتذكر بأنني أكلت شيئاً. فأنا لم أشعر بأي متعة. أنا جائع، لذا أريد تناول مزيد من الطعام.
تأثير التلذّذ أثناء تناول الطعام على الأيض
إن المعادلة العلمية البسيطة للتأثير الكيميائي العميق هي التالي: حين يلفت الطعام نظركم، فأنتم تشغلون جهاز الأيض. وحين تتناولون الطعام بشكل سريع جداً ومن دون وعي أو بإحساس من الذنب، فإن النظام العصبي المركزي والجهاز العصبي المعوي تسجّلان حدّاً أدنى من الأحاسيس الممتعة. وينتج عن ذلك رغبة فيزيولوجية ملحّة بتناول المزيد من الطعام.
استراتيجيات للإسهام في الحدّ من الأكل العاطفي:
- معالجة المشكلة الأساسية
- اطرحوا على أنفسكم السؤال التالي: لماذا تأكلون (كونوا واعين)
- استبعدوا الوجبات الخفيفة السيئة التي تتناولونها عادة
- اختاروا الطعام الذي يحارب التوتر
- حضّروا حزمات طعام لتناولها في الحالات الطارئة
- شتّتوا انتباهكم عن الطعام
- مارسوا اليوغا، التأمل والتمارين الرياضية
- تصرّفوا خطوة تلو الأخرى
- لا تفوّتوا وجبات الطعام
- تجنبوا تكديس الطعام
- تناولوا الطعام بشكل واعٍ ومدرك عبر اتباع هذه الخطوات البسيطة:
- اجلسوا إلى المائدة ولا تفعلوا أي شيء آخر سوى تناول الطعام
- شغّلوا كلّ حواسكم أثناء تناول الطعام
- حين يكون الطعام أمامكم، خصّصوا بعض الوقت لتقدير هذه النعمة
- تناولوا قضمة ولاحظوا مذاقها في فمكم
- أعربوا عن امتنانكم وفكّروا بمصدر هذا الطعام
- تابعوا تناول الطعام ببطء
تعلّموا أن ترفضوا تناول الأطعمة غير الصحية، وأن تبتعدوا عن الحالات العاطفية المشحونة التي تقوّض جهودكم في تطوير عادات غذائية أفضل. فالأمر كلّه متمحور حول الطريقة التي تتناولون فيها الطعام وحول اعتماد نمط حياة صحي مستدام تأكلون فيه أيضاً أطعمتكم المفضلة بشكل متوازن.