لِم نحن هنا؟ ما معنى حياتنا؟ وما هو هدفها؟
على مرّ التاريخ، طرح الفلاسفة هذه الأسئلة وعالجوها. واتفقوا على أن هذه الاسئلة جوهرية، بالرغم من أنهم غالباً ما اختلفوا على إجاباتها.
وإن نظرنا إلى ما هو أبعد من الحاجات الأساسية الحياتية، فنحن نطرح أسئلة حول الحياة بصفتنا بشر، إذ غالباً ما نطرح الأسئلة التالية: ما الذي نريد أن نصبح عليه، وما هو الأفضل لنا؟
بالنسبة إلى البعض، ما من جواب شافٍ لما يجعل الحياة جديرة بالعيش. فلا شيء يرضيهم، ولا شيء يحقق طموحاتهم، ما يجعلهم يغرقون في حالة من المعاناة المستمرة.
ما هو الفراغ الوجودي؟
في كتابه المبتكر “الإنسان يبحث عن معنى” الذي صدر في العام ١٩٤٦، عرض عالم النفس النمساوي فيكتور إ. فرانكل مفهوم “الفراغ الوجودي”. وعرّفه على أنه “الشعور الكامل بخلو حياتنا من المعنى”. وهو شعور ينتابنا حين تًثبط الرغبة بمنح معنى للحياة. وفي كتابه، يقول فرانكل بأنه في الماضي، ساعدت التقاليد الإنسان على تخطي الخسارات الكبيرة، إلا أنه، وخلال القرن العشرين، باتت هذه التقاليد تضمحلّ.
والضجر هو الطريقة الأساسية التي يتطور من خلالها الفراغ الوجودي، وبالتالي، يفسح الضجر المجال أمام الشقاء، إذ يبدأ المرء بالتفكير في قيمة حياته. فعلى سبيل المثال، يشير فرانكل إلى أن عدداً كبيراً من الأشخاص يعانون من التوتر أيام الآحاد، حين يخف مستوى انشغالهم، فيفكرون بمعنى حياتهم.
كيف يتجلّى الفراغ الوجودي؟
إن بحثنا عن الفراغ في حياتنا، يترك هذا الخلو من المعنى فراغاً، وبطبيعة الحال، كلما كان هناك فراغ، تظهر أمور أخرى لتحاول ملأه.
وبما أن هذه الأمور تمنحنا الرضى المؤقت، فنحن نملأ فراغاتنا الوجودية بأشياء نظنّ بأنها ستجلب لنا السعادة القصوى. فقد نحاول أن نملأ حياتنا بملذات عبر الانخراط في سلوكيات عشوائية، والأكل بشراهة وعيش الحياة “بالطول وبالعرض”. ويمكننا أن نسعى للحصول على السلطة، ولاسيما السلطة المتمثلة بالنجاح المالي، أو قد نختار أن نشغل أنفسنا “بالانهماك” المفرط. وقد نسمح أيضاً لبعض “الحلقات المفرغة” بأن تُحكم السيطرة على حياتنا كالمعاناة من هوس في النظافة أو من الجراثيم.
تبديل الرؤية هو السبيل الأمثل للخروج من الفراغ الوجودي.
لا تكون الحياة دوماً عادلة، حتى ولو استثمرنا الوقت، والجهد، والعاطفة والطاقة. وبالرغم من أن الشعور بالإحباط مفهوم للغاية، إلا أنه علينا أن نقرّ بأن موقفنا من الأمور هو الشيء الوحيد الذي نستطيع تغييره حيال الوضع الذي نعيش فيه. فعوضاً عن تخدير الألم بهذه الملذات المؤقتة، فلنبادر إلى استيعاب هذا الألم.
علماً أن الألم الذي تشعرون به لأن حياتكم تفتقر إلى المعنى هو الهدية الأثمن التي قد تقدمها الحياة لكم. إنه العامل الطبيعي الذي سيحدث التغيير في حياتكم، والدليل الذي سيوجّه مسيرتكم، لا لتهربوا من الحياة، بل على العكس للحؤول دون أن تهرب الحياة منكم.
وفي هذا الإطار، يقول فرانكل بأن قيمكم هي سبيلكم لاكتشاف المعنى، وإدراكم الاجتماعي هو ما يشجع قيمكم على الظهور إلى العلن. حتى وإن لم تحملوا الآخرين مسؤولية سعادتكم، فإن التواصل معهم والحفاظ على الروابط العائلية هي من الطرق الأساسية التي تجعلكم تمنحون حياتكم معنى.
ومن هنا، فإن المقاربة الأمثل لاكتشاف معنى الحياة قد تكون في الانخراط في نشاطات تشعركم بالسلام وترتبط بالعالم الخارجي. لذا، نحثكم على:
- التواصل مع قيمكم
- التحدّث مع أحبّائكم
- الاحتفاظ بدفتر يوميات
- التأمل
- ممارسة التمارين الرياضية
قد تكون مواجهة الخوف الوجودي مسألة صعبة. ويسهل الانغماس فيها أثناء البحث عن إجابات للأسئلة الوجودية الكبرى. وفي بعض الأحيان، قد لا يكون هناك حلول أفضل من تلك التي توصلتم إليها، أي تلك التي اكتشفتموها أثناء حياتكم.
فالإنسان الذي يعيش حياة سليمة ومتكيفة يمنح معنى لحياته، إذ يعيش حياة مليئة بالاهتمامات الهادفة. حتى، ولو كانت هذه الحياة غير كاملة ومليئة بالخيبات والأفراح، فإن لها معنى. ومن هنا، فإن الحلّ المضاد للفراغ الوجودي هو امتلاك مسيرة حياتية هادفة لا الاكتفاء بإيجاد هدف واحد.