حين أقابل عميلاً جديدًا، أطلب منه بداية أن يطلعني على عجلة حياته. أعتقد بأن ذلك مثير للدهشة وطريقة ممتازة لبدء مسيرة التقدّم. كما يمنحني ذلك رؤية من بعيد على مستوى رضاهم على صعيد المهنة، والشؤون المالية، والصحة، والعلاقات، والحياة العاطفية، والنّمو الشخصي، والتسلية والترفيه، ووضعهم الجسدي أيضاً.
إن مجالات عجلة الحياة الثمانية مترابطة، والشعور بعدم الاكتفاء في مجال ما من شأنه التأثير على مجالات أخرى، وبالتالي التأثير سلبياً على الصحة الجسدية والنفسية بشكل عام. ومن هنا، لا نستطيع تجاهل أي ناحية من النواحي.
يؤدّي كلّ واحد منّا أكثر من دور في الحياة: الذات، المهنة، الإبن /الإبنة، الأهل، الزوج/ الزوجة، الصديق/الصديقة، المتطوّع في المجتمع، وسواها من الأدوار، وبالتالي فإن التحكّم بمختلف هذه الأدوار، والضلوع بمختلف الأدوار والمسؤوليات قد يكون في بعض الأحيان معقداً وصعباً للغاية. وحين لا نستطيع الحفاظ على توازن سليم، نخسر تركيزنا، وينخفض مستوى أدائنا، ونتعرّض للتوتر، والاكتئاب، ونعاني من مشاكل صحية أو ضياع واستسلام كليّ.
فما السبيل إذاً لجعل مختلف نواحي عجلة الحياة متوازنة؟ إليكم ستّ خطوات يمكنكم اتباعها:
- – التحكّم بعجلة الحياة: اكتشفوا المجالات الحياتية التي لا ترضون عنها والتي لا بدّ وأن تخصّصوا الاهتمام لها. ماذا تستطيعون أن تحسّنوا؟ ما هي المسائل التي تبدون استعدادكم لتحسينها؟ إذ هناك فرق شاسع ما بين الإثنين!
إنّ الخطوة الأولى باتجاه التغيير هي الإدراك. يقال بأنه ما أن تُحدّد المشكلة، يحلّ ٥٠% منها، لذا بادروا إلى معرفة الأمور التي لا تسير على قدم وساق بالنسبة إليكم. وبعدها، ابدأوا باتخاذ خطوات جدية وتدريجية لتنفيذ التغييرات. فما من مشكلة تُحلّ من تلقاء نفسها بسحر ساحر!
- – تحديد أهداف ذكية: ما إن تحدّدوا المجالات القابلة للتحسّن، يمكنكم عندها أن تضعوا نصب عينيكم أهدافاً محددة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، واقعية، ومحصورة بإطار زمني، وتقسيم هذه الأهداف إلى خطوات صغيرة يسهل تنفيذها.
فعلى سبيل المثال، إن اكتشفتم بأنكم لا تشعرون بالرضى على صعيد العائلة والأصدقاء، فابحثوا عن السبب، إذ قد يعزى ذلك إلى انهماككم في العمل، وعندها اعقدوا العزم على “قضاء مزيد من الأوقات السعيدة مع أفراد عائلتكم وأصدقائكم خلال عطلة نهاية الأسبوع”. وبادروا إلى تنظيم لقاءات أو مشاوير.
اطرحوا دوماً على ذواتكم الأسئلة التالية: “كيف، متى، مع من، كم مرّة”… دوّنوا أهدافكم الذكية وتفاصيلها على ورقة واطّلعوا عليها صباح كلّ يوم.
- – إدارة الوقت: أحسنوا الاستفادة من الثواني الـ٨٦،٤٠٠ التي تملكونها كلّ يوم، فحُسن إدارة الوقت هو مفتاح الإنتاجية على كلّ المستويات.
يدّعي الكثيرون منّا بأنهم لا يملكون الوقت للمطالعة (النمو الشخصي) أو لممارسة التمارين الرياضية (الحفاظ على الصحة). إلا أن ذلك ليس صحيحاً مئة في المئة. إذ يمكنكم دوماً إيجاد الوقت لإتمام الأمور الهامة. ولكن، على الأرجح أنكم لم تتخذوا قراركم بعد بالإلتزام بالأمور الهامة. فحين نواجه مشكلة صحية خطيرة، ألا نجد الوقت لتنفيذ تعليمات الطبيب؟
لذا، أمعنوا التفكير في عجلة الحياة. ما الذي يمكنه أن يسعدكم ويفترض به جعلكم أكثر راحة؟ وبادروا فوراً إلى تخصيص الوقت له ضمن يومكم، وأضيفوه إلى قائمة أهدافكم الذكية.
- – التأسيس لعادات سليمة: بشكل عام، يستغرق التأسيس لعادة جديدة 21 يوماً. فبعد مرور هذه المدّة، تصبح مسارات الجهاز العصبي أقوى بحيث يصبح السلوك تلقائياً، ما يُحرّر الفكر ويسمح لكم بتخصيص الطاقة الفكرية على مهام أخرى أكثر أهمية وفائدة. فما هي العادات الصحية التي تنوون إدراجها ضمن أهدافكم الآن؟
- – اعتماد مفكّرة: إن استخدام المفكّرة لتدوين أمور شخصية أو مهنية، ووضع مخطّط لليوم يتماشى مع أهدافكم من شأنه منحكم هيكلية، ووضوحاً والتزاماً. وتسهم هذه المفكّرة في تنظيم وقتكم ودفعكم لاتخاذ الخطوات اللازمة لموازنة حياتكم. فتدوين لائحة بالأمور التي يتعيّن عليكم القيام بها والتخطيط لتواريخ إنجاز كلّ من المهام المطلوبة، سيساعدكم على أن تصبحوا أكثر عقلانية في ما تستطيعون تحقيقه خلال يوم واحد، أسبوع أو شهر كامل.
تذكروا بأن تحافظوا على بعض المرونة في الالتزام بالمهام التي وضعتموها وأن تنقلوا المهام التي لم تستطيعوا القيام بها خلال يوم محدّد إلى يوم أو وقت آخر. ستسهم المفكّرة في إظهار إنتاجيتكم وتساعدكم على إبقاء المهام في مسارها الصحيح.
- – التحكّم بالتوتر: راقبوا المسائل التي تسبّب لكم التوتّر وخذوا التدابير اللازمة للحدّ من آثارها. واعملوا أيضاً على تغيير الوضع أو ردّة فعلكم تجاهه.
نعني بتغيير الوضع إجراء نوع من التبديل فيه، كتغيير الوظيفة مثلاً، أو تفادي الوضع الذي يثير توتركم، كسلوك طريق آخر مثلاً تفادياً لزحمة السير. أما حين يكون تغيير الوضع غير ممكن، يمكنكم السعي لتغيير طريقة شعوركم حياله. ومن هنا، عليكم السعي لعدم التفكير طيلة الوقت بما يزعجكم ومحاولة تقبّل الواقع كما هو (مثلاً زميل سلبي يعمل معكم في المكتب عينه) أو محاولة التكيّف مع الوضع (مثلاً النظر إلى الصورة الشاملة للأمور الهامة).
تفادوا جعل التوتر يتراكم واستخدموا فوراً تقنيات مزيلة للتوتر مثل أخذ نفس عميق، التحدث إلى الذات بشكل إيجابي، الإصغاء إلى الموسيقى، والسعي للحصول على الدعم الإجتماعي، إلخ.
تسهم هذه الخطوات السهلة والبسيطة في جعلكم تبادرون لخلق حياة أكثر موازنة. فقد أثبتت الدراسات بأن أولئك الذين يملكون أهدافاً واضحة، غالباً ما ينجحون في مساعيهم. لذا، خصّصوا الوقت لتدوين أهدافكم وتقييمها ومراجعتها بشكل دوريّ.
تذكّروا بأن إضافة عادات جديدة لروتينكم اليومي قد يستلزم التخلّي عن بعض الأمور الأخرى. فلِم لا تضعون لائحة بالأمور التي لا يتعيّن عليكم القيام بها، وتصنّفوها على أنها “مضيعة للوقت”؟ وبعدها، تسعون لإيجاد الوقت للقيام بالأمور التي من شأنها أن تعود عليكم بالنّفع وتوازن مختلف نواحي حياتكم.