الصحة الفكرية: مقاربة شاملة متكاملة

بقلم عزيز كفوري

تردنا أفكار ومشاعر عدّة عندما نتحدث عن الصحة الفكرية كمحظورات أو ذنوب يرافقها طبعًا وصمة العار المألوفة من المجتمع الذي نعيش فيه. تعدّت الأساطير حول مهنتي كطبيب ومعالج نفسي في منطقة الشرق الأوسط التهاني التي قدّمت لي عند تخرجي. تفاجأت خلال مسيرتي كطبيب نفسي بالضغط الذي يتعرضون له مرضى الصحة الفكرية خلال علاجهم، كما لو أنهم لم يمروا بما يكفي بالفعل! يهدف هذا المقال إلى دحض بعض المفاهيم الخاطئة حول الدعم الصحي النفسي بالإضافة إلى تبنّي مقاربة شاملة متكاملة للصحة الفكرية.

أوّلاً من المهم الجواب على سؤال من يزور الطبيب النفسي/المعالج النفسي في عيادته ولماذا؟ يخطر في بال من تسأله هذا السؤال في مجتمعنا مشاهد صراخ وفوضى وتحطيم أبواب وتضارب بين مجانين ولكن الواقع بعيد عمّا نتخيّله أو ما ترينا إيّاه الأفلام. لنبدأ أولًا بتعريف من يزورنا بالمرضى أي أشخاص يتلقون العناية الطبية أو الرعاية أو العلاج الطبي وفي هذا السياق ليكن معلومًا أنّ حالات الصحة العقلية الحرجة تتطلب دخول المستشفى كأي حالات حرجة تسببها الأمراض العضوية الحادة والتي تحتاج إلى مراقبة متكررة ونهج علاج محدد. لذلك، غالبًا ما تشمل الحالات التي نواجهها في عيادة الطبيب النفسي/المعالج النفسي الأشخاص الذين يعانون من القلق أو الرهاب أو الوسواس القهري أو الاكتئاب أو آثار الصدمة. علاوة على ذلك، قد يواجه بعض الأشخاص صعوبة في السيطرة على بعض مشاعرهم والتعبير عنها بشكل صحي مثل الغضب، أو ربما قد واجهوا مشاكل في علاقات سابقة أو ما إلى ذلك. يمكن أن يكون هناك عدة أسباب لذلك لأنّ الإنسان معقد وهناك عدد لا يحصى من التحديات التي يواجهها.

وبالتالي، تختلف أحيانًا حاجات المريض عما يستطيع الطبيب النفسي/المعالج النفسي تقديمه لأن الاستثمار الذاتي لا يقتصر فقط على المستوى العقلي بل يتناول العديد من القطاعات المتصلة بالصحة وذلك لضمان نتائج أفضل، وهنا يتم تفعيل القاربة الشاملة.

ما هي المقاربة الشاملة؟ تقدم المقاربة الشاملة الدعم لجميع جوانب حياة الشخص، ليس فقط احتياجات الصحة الفكرية بل الرفاهية الجسدية والعاطفية والاجتماعية والروحية أيضًا.

يواجه الأشخاص الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب على سبيل المثال العديد من التحديات العاطفية والعملية يوميًا لذا تعدّ القدرة على التعرف على هذه الصعوبات والتعامل معها ميزة رئيسية للمقاربة الشاملة للصحة الفكرية.

ما هي بعض المزايا الرئيسية لتبنّي المقاربة الشاملة للصحة الفكرية؟

  1. تساعد تدابير المقاربة الشاملة العقل على أن يصبح أداة شفاء من خلال إعداده للتفكير بموقف ما من منظور آخر أو الاستجابة بشكل مختلف لحافز استفزازي ما. توازي فعالية هذه التدابير فعالية الأدوية النفسية في تخفيف الأعراض.
  1. لكل هذه العناصر أي الطب النفسي، والطب العام، والاجتماع، والروحانيات، ونمط الحياة، والسلوك دور في معالجة كل مشكلة نفسية تصيب الإنسان.
  1. تعد معالجة التوتر باستخدام تدابير المقاربة الشمولية أمرًا بالغ الأهمية في المسيرة نحو عقل سليم، فالتوتر يؤدي إلى العديد من مشكلات الصحة العقلية.
  1. تساعد مثلاً الرياضة واتباع نظام غذائي متوازن على القضاء على أعراض القلق والاكتئاب وتقلب المزاج بشكل فعال جدًّا بالإضافة إلى تعزيز جودة النوم.

في النهاية، إنّ كل شخص فريد من نوعه، واستنتجت بصفتي متخصصًا في الصحة العقلية مارس كلًا من نهج علم النفس التقليدي والنهج الشمولي، أنّ تقديم خيارات واسعة لطرق العلاج يساعد كل شخص على اكتشاف الطريقة التي تناسبه. يتعلق الأمر دائمًا في النهاية بدعم أهداف الفرد الذي يزور العيادة.

إنّ طلب المساعدة يتطلب جرأة كبيرة، لذا أنت تستحق حقًا تهنئة.

أنت تعلم الآن أنّه يجب عليك البحث عن الطريقة التي تريحك أكثر، والطريقة المثالية لمعرفة ذلك هي أن تسأل نفسك، ماذا أريد أن أحسّن في ذاتي ولماذا؟

أخذ زمام المبادرة للاستثمار في نفسك هو الخطوة الأولى نحو الحصول على درجة متفوق في دكتوراه علم نفسك فماذا تنتظر؟

ربما يعجبك أيضا