في يومنا هذا، بتنا نجد المنتجات “الخالية من الغلوتين” في معظم المتاجر والأفران. فهل اعتماد نظام غذائي خال من الغلوتين واحدة من صيحات الموضة أو هو منهج صحي يستحق الاعتماد؟
غلوتين كلمة لاتينية مستقاة من “غلو”، وهو نوع من البروتينات التي نجدها في القمح، والشعير، والبرغل، والزؤان، والسميد وسواه من الحبوب الكاملة غير المطحونة. تسهم البروتينات، والغليادين، والغلوتنين بجمع العجينة بعضها مع بعض وبمنحها طابع المرونة، فترفخ، وتحافظ على شكلها، وتمنح المنتج قواماً قابلاً للمضغ. ومن أبرز أنواع الأطعمة التي تحتوي على الغلوتين، نذكر رقائق الذرة، والمعكرونة، والبيتزا. وحين تتناولون قطعة مافين طرية، فهي تحتوي على الغلوتين، ما يمنحها التركيبة المطاطية، والقابلة للمضغ.
خلال السنوات الفائتة، سلّط العلماء والناس عموماً الضوء على حساسية الغلوتين. وفيما يثابر المجتمع العلمي على بذل الجهود لتحديد الأسباب المحددة وراء ازدياد عدد الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في هضم الغلوتين، تبيّن بأن أحد الأسباب هو أن القمح لم يعد يُزرع ويعالج بحسب الطرق التقليدية. فقد باتت المواد الكيميائية والتقنيات الوراثية تحمي القمح من الحشرات والجفاف وتزيد من كمية المحصول. وبالتالي، زرعت أنواع القمح لتكون أقوى، ما قد أدى أيضاً إلى زيادة نسبة الغلوتين فيها.
ويستعمل الغلوتين أيضاً كرابط ومثبت للقوام في عدد كبير من أنواع الأطعمة، لن يخطر ببالكم وجوده فيها، كصلصة السلطة والكاتشب على سبيل المثال. وقد يكون الغلوتين بشكله المعزول هو ما يصعب على الجسم هضمه.
وهناك نظرية أخرى مازالت قيد الدراسة مفادها بأن المرضى يتفاعلون مع فائض النشويات التي لم يتم هضمها بشكل ملائم والمتواجدة في القمح وفي عدد كبير من الأطعمة الأخرى. ويمكن لهذه النشويات- التي يطلق عليها تسمية FODMAP أن تسبب النفخة حين تتخمّر في الأمعاء.
وبالرغم من أن معظم الناس يهضمون الغلوتين بشكل عادي، فقد يؤدي ذلك الأخير إلى إحداث مشاكل لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض الاضطرابات الهضمية، ومن الحساسية على القمح، والغلوتين وسواها من المشاكل الصحية الأخرى.
مرض الاضطرابات الهضمية
في حالات مرض الاضطرابات الهضمية، وهو الشكل الأصعب من أشكال الحساسية على الغلوتين، يتعاطى الجسم مع الغلوتين على أنه دخيل خطر ويطلق العنان لردّ المناعة الذاتية التي تهاجم الغلوتين وتبطين الأمعاء. ويؤدي الضرر في جدار الأمعاء إلى فقر دم، ونواقص في المكملات الغذائية، ومشاكل صحية هضمية حادة، وشعور بالتعب وزيادة في خطر الإصابة بأمراض أخرى.
متلازمة القولون المتهيّج
ينجم عن متلازمة القولون المتهيّج أعراضاً مختلفة مثل الألم في البطن، النفخة، التشنجات وغازات الإسهال. وبالرغم من أنها حالة مزمنة، يتمكن الكثير من الأشخاص من السيطرة على عوارضها عبر القيام بتغييرات معينة في نمط حياتهم وحميتهم الغذائية. وقد أشارت الدراسات إلى أن بعض الأشخاص الذين يعانون من متلازمة القولون المتهيّج يستفيدون من اتباع حمية غذائية خالية من الغلوتين.
الحساسية على القمح
يعاني الأشخاص الذين يشكون من حساسية القمح من رد فعل غير صحيح لنظام مناعتهم أقله تجاه أحد أنواع البروتينات الموجودة في القمح، أو بذوره، أو حتى غبار اللقاح، ما يؤدي إلى نفخة، وحكة، وضيق في التنفس، وغثيان وتقيؤ. في بعض الحالات، يمكن لرد الفعل الحساسي أن يكون قوياً جداً بحيث يهدد الحياة بسرعة.
الحساسية على الغلوتين
تعرف هذه الحساسية على أنها الحساسية التي يعاني منها الأشخاص الذين لا يعانون من أي من الحالات المرضية المذكورة أعلاه، والذين يختبرون عوارض مشابهة بعد تناول الغلوتين أو الذين يعانون من عوارض مخففة أو غياب للعوارض عند اتباع نظام غذائي خال من الغلوتين.
ومازالت محفزات الحساسية على القمح قيد الدراسة وهي محور دراسات معمقة، وقد أشارت بعض الدراسات إلى ارتباط الجينات ونظام المناعة بهذه الحساسية.
فبحسب بعض الدراسات، غالباً ما نلمس الحساسية على الغلوتين لدى البالغين، ولاسيما في متوسط العمر، مع تسجيل إصابة أكبر للنساء منه للرجال.
عوارض الحساسية على الغلوتين
- • نفخة في البطن
- • فقر دم
- • نفخة
- • إمساك
- • تشنجات
- • إسهال
- • تعب
- • غازات
- • آلام في الرأس
- • ألم في الأمعاء
- • مشاكل جلدية
- • قرحة
وبما أن الأمعاء هي “دماغنا الثاني”، يمكن لعوارض الحساسية على الغلوتين أن تشمل:
- • القلق
- • تشوّش التفكير
- • الاكتئاب
على الرغم من عدم وجود دليل على أنه يجب على الجميع تجنب الغلوتين ، وهناك بالتأكيد “عنصر بدعة” للاتجاه الخالي من الغلوتين ، فإن العديد من الأطباء – بما في ذلك أخصائيي أمراض الجهاز الهضمي – والعلماء مقتنعون بأن حساسية الغلوتين حقيقية.
ما السبيل لمواجهة هذه الحساسية؟
من أبرز الطرق لمعرفة ما إذا كنتم تعانون من حساسية على الغلوتين، الامتناع بشكل كامل عن تناول الأطعمة التي تحتوي على الغلوتين طيلة بضعة أسابيع لتروا ما إذا كنتم تشعرون بحال أفضل. ويمكن لأخصائي في الطب الطبيعي أو لأخصائي تغذية مساعدتكم على وضع خطة طعام سليمة. فهناك الكثير من الأطعمة الصحية الخالية من الغلوتين، كالفاكهة، والخضار، والسمك، واللحم الطازج، والدجاج، والزيوت. ويمكنكم التأكد من مدى فعالية حميتكم الغذائية عبر تناول منتجات تحتوي على الغلوتين لتتأكدوا إن كانت العوارض ستعاودكم.
يفترض بكم أيضاً أن تقرأوا ملصقات الطعام، إذ يضاف الغلوتين أحياناً إلى الأطعمة التي لن تتخيلوا بأنها تحتوي على الغلوتين، علماً أن الأطعمة المعالجة الخالية من الغلوتين غالباً ما تحتوي على مستويات عالية من الدهون والسكر.
ويمكنكم أيضاً تدوين ما تأكلون وكيف تشعرون بعد تناول الأطعمة في دفتر خاص، ما يساعدكم على التحكم بوضعكم بشكل أفضل.
إن كنتم تظنون بأنكم تتفاعلون بشكل سلبي مع الغلوتين، استشيروا طبيبكم لاستبعاد مرض الاضطرابات الهضمية أو سواه من الأمراض الأخرى. اليوم، ليس هناك من اختبار مخبري لتشخيص حالة الحساسية على الغلوتين، وغالباً ما يتمّ التشخيص عبر استثناء سواه من الأمراض والحالات الصحية.