فيما يتصفّح أطفالنا، بأناملهم الصغيرة، العالم الافتراضي اليوم، لم يعد بالإمكان نكران الدور الأساسي الذي تؤديه التكنولوجيا في حياتهم. وفيما يفسح هذا العالم الرقمي الواسع المجال أمامهم لعدد كبير من الفرص المتنوعة، من الضروري الإضاءة على موضوع أساسي: كيف تؤثر التكنولوجيا على صحة أولادنا؟
فمن جهة، سمحت التكنولوجيا لأولادنا، وعلى اختلاف أعمارهم واهتماماتهم بأن يبنوا روابط اجتماعية افتراضية، ما سمح لهم بالتواصل مع أقرانهم، وتطوير شخصياتهم بثقة ومحاربة الشعور بالوحدة.
فبحسب مركز بيو للأبحاث، يوافق ٦٥% من الشبان والشابات في الولايات المتحدة على أن وسائط التواصل الاجتماعي قد شجعتهم على إظهار جانبهم الإبداعي والشعور بأنهم مدعومين. ومن جهة أخرى، فإن مواقع إلكترونية مثل “خان أكاديمي” قد ساهمت في إغناء خبراتهم التعليمية وتطوير مهارات حيوية كالتفكير النقدي ومهارات حلّ المشاكل.
إلا أننا، نستطيع أن نقطف فوائد التكنولوجيا عند استخدامها بشكل متوازن فقط. وإلا، فسنواجه التبعات السلبية التي من شأنها أن تؤثر على حياة أطفالنا، جسدياً، واجتماعياً وفكرياً.
بداية، تقيّد الفترات الطويلة التي يقضيها أولادنا مسمّرين خلف أجهزتهم الإلكترونية، لا محالة، الوقت الذي يقضونه في القيام بنشاطات جسدية وتحدّ منه. وينتج عن هذا الروتين غير المتوازن اعتماد نمط حياة خمول يمهّد الطريق لإصابة الأطفال بالبدانة، وهي، وبحسب المعهد الوطني للصحة، واحدة من أكثر النتائج الموثقة للجلوس وراء الشاشات الإكترونية، مع ما يرافقها من مشاكل صحية أخرى (السكري، وضعية الجسم الخاطئة، إرهاق العين، إلخ). وقد أشارت دراسة نُشرت في مجلة Pediatrics إلى أن اضطراب النوم هو أحد التأثيرات الناجمة عن استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية، وهو تأثير غالباً ما يتمّ صرف النظر عنه. فالضوء الأزرق المنبعث من الشاشات الإلكترونية يمنع إفراز هرمون الميلاتونين، الذي يساعد على تنظيم النوم، ما يؤدي إلى صعوبة في الاستغراق في النوم والمعاناة من أنماط نوم متقطّعة، ما يترك تأثيرات جانبية واضحة على صحة الأطفال وعافيتهم وأدائهم الإدراكي.
وبالانتقال إلى التأثيرات السلبية للأطفال على الصعيد الاجتماعي، يمكننا أن نقول بأن الحدّ من التفاعلات المباشرة، وجهاً لوجه، جراء تفضيل التفاعلات الافتراضية عبر التواصل الاجتماعي أو ألعاب الانترنت، من شأنها أن تحدّ من قدرة الأطفال على التعامل مع الأوضاع الاجتماعية الحقيقية عبر الدخول في عملية تواصل مباشرة. وفي النهاية، يمكن للاعتماد على التواصل الرقمي أن يعرقل تطوير المهارات الاجتماعية الأساسية كالإصغاء الفعّال، والتعاطف، إلخ.
لسوء الحظ، فإن التأثيرات المضرّة لم تقف عند هذا الحدّ، بل تمتدّ لتصل إلى الصحة النفسية. فالتعرّض المتنامي لمنصات التواصل الاجتماعي قد يخلق إدراكاً مشوّهاً للعلاقات والوقائع. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى مسائل سلبية على صعيد صورة الجسم، والشعور بعدم الملائمة، ما يسهم في تعزيز القلق والاكتئاب، جرّاء التعرض للتنمّر عبر الانترنت، وخطابات الكراهية والمقارنة الاجتماعية.
وفيما يتعيّن علينا التكيف مع دخول التكنولوجيا إلى منازلنا، يسعنا حتماً أن نقدم بعض الإرشادات لأطفالنا. وفي هذا الإطار، تقدم الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال توصيات حيال تحديد ضوابط للوقت المخصص لاستخدام الشاشات الإلكترونية، يتغير بحسب عمر الأطفال، وذلك لضمان اعتماد روتين متوازن، وتشجيع النشاط الجسدي واللعب في الهواء الطلق، وإشراك الأهل في كل النشاطات التي تمارس إلكترونياً، وهي الخطوة الأهم، لأنها تضمن إشراف الأهل بفعالية على استخدام أطفالهم للتكنولوجيا. تواجدوا عن قرب مع أطفالكم وراقبوا أنواع الوسائط الالكترونية التي يستخدمونها، وتذكروا بأنكم لن تبالغوا أبداً في الحذر، فالحذر، ثم الحذر، ثم الحذر هو الواجب!