بات الجمع ما بين العلوم، وأسلوب الحياة، والممارسات التجريبية الذاتية لتعزيز الأداء والصحة يحظى بشعبية متزايدة في ظل تسارع وتيرة الحياة العصرية. فقد تطورت الممارسات التي كان يستخدمها الأفراد المتمكنون من التكنولوجيا تقليديًا لتعديل أجسامهم مستعينين بالتكنولوجيا، لتصبح تلك الأخيرة أداة فعالة تُعزز الصحة النفسية وتؤثر بشكل إيجابي على عملية التقدم في السنّ. وبالتالي، يتمكن الأشخاص الذين يفهمون آليات هذا النهج ويطبقونه بمسؤولية من تحسين حالة أدمغتهم وأجسامهم مع التقدم في السنّ.
ما هو التحكم البيولوجي أو ما يعرف بالبيوهاكينغ؟
التحكم البيولوجي هو عملية إجراء تعديلات استراتيجية صغيرة على النظام الغذائي والعوامل البيئية ونمط الحياة بهدف تحسين الأداء الجسدي والوظائف العقلية. ينقسم هذا النهج إلى مستويين: ممارسة الطرق التقليدية مثل الصيام المتقطع والاستحمام بالماء البارد، واعتماد الممارسات المتقدمة التي تتضمن استخدام التكنولوجيا القابلة للارتداء لتتبع المؤشرات الحيوية وتناول المنشطات الذهنية. يُعتبر التحكم البيولوجي نهجًا لتحسين إدارة الصحة الشخصية مع الحفاظ على الوعي الذاتي كركيزة أساسية لهذه الممارسة.
الشيخوخة والدماغ
مع التقدم في السنّ، يتعرض الجسم البشري بأكمله لتغيرات، إلا أنّ الدماغ يبقى الجزء الأكثر تأثرًا. ويواجه الأشخاص المتقدمون في السن صعوبات عقلية شائعة مثل فقدان الذاكرة، وبطء التفكير، وانخفاض الاستقرار العاطفي. وتشير الأبحاث الطبية إلى أن التدهور المعرفي ليس أمرًا حتميًا. فالجمع بين أساليب التحكم البيولوجي الحديثة وبعض التغييرات المحددة في نمط الحياة يتيح إبطاء العديد من هذه التغيرات تدريجيًا، بل وقد يساعد على عكسها بمرور الوقت. تشمل التغيرات الرئيسية المرتبطة بتقدم العمر في الدماغ ما يلي:
- فقدان المرونة العصبية (قدرة الدماغ على التكيف)
- انخفاض مستويات الدوبامين والسيروتونين
- زيادة الإجهاد التأكسدي والالتهابات
- اضطرابات النوم
ولا تقتصر آثار هذه التغيرات على الذاكرة فقط، بل يمكن أن تسهم أيضًا في اضطرابات المزاج مثل القلق والاكتئاب، وهي حالات شائعة بين كبار السن.
الصحة النفسية والتحكم البيولوجي: استراتيجيات عملية
إليكم بعض الأساليب المدعومة بالأدلة، التي تساعد في الحفاظ على الصحة النفسية والوظائف المعرفية مع التقدم في العمر:
الغذاء السليم دواء فعّال
- اتباع نظام غذائي متوسطي، غنيّ بأحماض الأوميغا-3، والخضار الورقية، والتوت، والمكسرات، والحبوب الكاملة.
- ممارسة الصيام المتقطع (مثل نظام 16:8) لتعزيز عملية “الالتهام الذاتي” وهي عملية تنظف الخلايا التالفة في الجسم.
- استخدام المكمّلات الغذائية مثل الماغنيزيوم، والكركمين، و”إل-ثيانين” التي قد تدعم التغيّر المزاجي والوظائف الإدراكية.
تحسين جودة النوم
- النوم ضروري لترسيخ الذكريات وتنظيم المشاعر.
- استخدام التكنولوجيا القابلة للارتداء لتتبع وتيرة النوم، والسعي للنوم من 7 إلى 9 ساعات ليلياً. المحافظة على جدول نوم واستيقاظ منتظم، والحدّ من التعرض للضوء الأزرق قبل النوم.
الحفاظ على الحركة وممارسة الرياضة
- تسهم ممارسة التمارين الهوائية (مثل المشي السريع أو الجري) في تحسين تدفق الدم إلى الدماغ وتدعم تكوين خلايا عصبية جديدة.
- تعدّ تمارين اليوغا والتاي تشي مفيدة للياقة البدنية والصفاء الذهني.
التعرض للبرودة والعلاج الحراري
- يسهم الاستحمام بالماء البارد أو الخضوع لحمامات الثلج في الحدّ من الالتهابات ويعزز المزاج من خلال إفراز الإندورفين.
- يسهم استخدام السونا في تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وقد يقلل من خطر الإصابة بالخرف.
اليقظة الذهنية وإدارة التوتر
- تسهم كلّ من تمارين التأمل وتقنيات التنفس في تنظيم الجهاز العصبي والحدّ من مستويات الكورتيزول.
- محاولة كتابة اليوميات مع تسليط الضوء على الأمور التي تشعرون بالامتنان حيالها أو ممارسة تمارين السلوك المعرفي لتعزيز المرونة العاطفية.
المنشطات الذهنية والأدوية الذكية
- تسهم المنشطات الذهنية الطبيعية مثل فطر “الأسد”، والجينكو بيلوبا، والروثيو الوردية في تحسين القدرة على التركيز وتعزيز الذاكرة.
- تناول المكملات الغذائية الذكية الاصطناعية بحذر وتحت إشراف مختص.
اعتماد التحكم البيولوجي بمسؤولية
يتمتع التحكم البيولوجي بإمكانات مذهلة، إلا أنه يحمل في طياته عدداً من المخاطر أيضاً. إذ تختلف طرق التفاعل مع العلاج من شخص إلى آخر، فليس هناك من حالتين متشابهتين تمامًا من حيث النتائج. لذا، لا بدّ من استشارة طبيب قبل تجربة المكملات أو الأنظمة الغذائية القاسية أو استخدام الأدوية التي لا تحمل علامات معتمدة. كما أنّ إجراء اختبار طبي على المستوى الفردي مدعوماً بالفحوصات الجينية أو القياسات البيومترية يساعد المرضى في الحفاظ على سلامتهم ويقيهم من أي نتائج سلبية.
خلاصة
يعدّ التحكم البيولوجي مجالًا واعدًا يساعد الأشخاص على مواجهة أعراض الشيخوخة وحماية سلامتهم العقلية. فالجمع ما بين الإدراك العلمي الحديث والمعرفة التقليدية القديمة يتيح الفرصة أمام تمديد العمر وتحسين جودته. ومن هنا، يتعيّن على الأشخاص، وبغضّ النظر عن عمرهم، المبادرة فوراً للاهتمام بصحتهم العقلية والجسدية.