تأثير تقبّل الذات تؤدي هويتنا دوراً أساسياً في صقل وضعنا كأفراد. فهي تتضمّن نواحٍ مختلفة، بما في ذلك الجنس، والخلفية الثقافية، والمعتقدات الدينية، والتوجّه الجنسي. فكلّ ناحية من نواحي هويتنا تسهم في خبراتنا الفريدة من نوعها وتؤثر على عافيتنا وصحتنا الفكرية.
فما هي العلاقة العميقة التي تربط ما بين الهوية والصحة النفسية؟
تأثير تقبّل الذات إن السمة الأساسية في هويتنا هي تقبّل الذات. فحين يتقبّل الأفراد ذواتهم وحقيقتهم الفعلية، بما في ذلك توجّههم الجنسي، يؤثر ذلك بشكل كبير على صحتهم النفسية وعافيتهم. فتقبّل الذات يعزّز الاحساس بالقيمة ويروّج للثقة بالنفس الصحية. كما أن ذلك يسمح للأشخاص بأن يتخطوا تحديات الحياة بثقة، ما يخفّف من مستويات توترهم، واكتئابهم وقلقهم.
ولتعزيز تقبّل الذات، لا بدّ من تأمين بيئة داعمة تعزّز الاندماج والاحترام. فتشجيع المحادثات، وتثقيف الآخرين حول التوجه الجنسي، وتحدي الأفكار النمطية من شأنه الإسهام في خلق مجتمع أكثر تقبلاً. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الحصول على الدعم من الأصدقاء، وأفراد الأسرة أو أخصائيي العلاج النفسي من شأنه مساعدة الأفراد على خوض مسيرتهم في اكتشاف ذواتهم وتقبّلها.
التوجّه الجنسي والصحة النفسية إن تكوّن الهوية هي عملية مستمرة تتضمن اكتشاف مختلف نواحي الذات، والتساؤل حولها ودمجها، بما في ذلك التوجه الجنسي. فبالنسبة إلى الأفراد الذي يشكون في توجههم الجنسي، يمكن لهذه المسيرة أن تتضمّن الكثير من العواطف القوية، ما يؤثر حتماً على صحتهم النفسية. وفي هذا الإطار، فإن خلق مساحات آمنة للأفراد يعبرون فيها عن هويتهم من دون خوف من أن يُحكم عليهم أو يُرفضون أمر غاية في الأهمية.
ويؤدي التوجّه الجنسي، على وجه الخصوص، دوراً أساسياً في صقل الصحة النفسية للمرء. ويمكن لمواقف المجتمع والتمييز أن تسهم في تعزيز شعور بالانعزال، والخجل، وضعف احترام الذات لدى الأشخاص الذين يصنفون أنفسهم كأقلية جنسية. فهذه العوامل تعزز خطر المعاناة من اضطرابات على صعيد الصحة النفسية كالقلق، والاكتئاب، وإيذاء الذات، وتعاطي المخدرات أو الكحول. ويؤدي خبراء الصحة النفسية دوراً أساسياً في دعم الأفراد ومساعدتهم على فهم توجههم الجنسي وتقبله، على أنه جزء أساسي ومعيار لهويتهم.
دعم المجتمع والجماعة إن التمتع بعلاقات سليمة وبشبكة دعم قوية مسائل أساسية للحفاظ على الصحة النفسية. ويمكن للتوجه النفسي أن يؤثر على العلاقات بمختلف أشكالها. فبالنسبة إلى الأفراد الذين ينتمون إلى مجتمع الميم، فإن تقبّل الأصدقاء، وأفراد الأسرة، والشركاء العاطفيين والحصول على دعمهم أمر غاية في الضرورة. ومن جهة أخرى، فإن الرفض أو غياب الدعم من شأنه أن يقود إلى اضطراب عاطفي عميق وتشوّه على صعيد الصحة النفسية.
كما أن تأمين بيئات دامجة في المدارس، وأماكن العمل، والمجتمعات من شأنه تعزيز الشبكات الداعمة للأفراد على اختلاف توجهاتهم الجنسية. ويشتمل ذلك على الترويج لتفهم اختلافات الآخرين والتعاطف معها واحترامها. فالعلاقات الداعمة والمجتمعات الداعمة تمنح المرء إحساساً بالانتماء، والتأييد والسلامة، ما يسهم في تعزيز الصحة النفسية الإيجابية.
التحديات الناشئة إن اعتناق التوجه الجنسي لا يضمن خوض مسيرة سلسة. فالأفراد الذين ينتمون إلى مجتمع الميم قد يواجهون تحديات فريدة من نوعها، ومنها الاجحاف المجتمعي، والتمييز، ورهاب المثلية. ومن هنا، فمن الضروري التطرق إلى هذه المسائل وتأمين أنظمة الدعم الملائمة لها. ويمكن لأخصائيي الصحة النفسية أن يؤدوا دوراً أساسياً في تقديم المشورة والعلاج الملائمين لخبرات الأفراد الذين ينتمون إلى الأقليات الجنسية. فحملات التربية والتوعية من شأنها الحدّ من الإجحاف المجتمعي وتعزيز بيئة حاضنة أكثر. إلا أن هناك خيط رفيع يفصل ما بين تقبّل التوجه الجنسي والترويج له، فالتوجه السائد لدعم التغيّر في هوية الأطفال خلال سنوات نموهم الأولى مختلف تماماً عن تعزيز اكتشاف الذات والتعبير الشخصي لدى الشبان والشابات.
تعزيز الصحة والعافية إن الهوية متعددة الاتجاهات، ومن الضروري تحديد النقاط المشتركة ما بين مختلف نواحي هوية المرء. فالتوجه الجنسي للمرء لا يأتي بشكل منعزل، بل يتداخل مع هويات أخرى، كالعرق، والاثنية، والدين، والجنس.
ومن هنا، فإن موارد الصحة النفسية المصاغة بما يتناسب وحاجات الأفراد الفريدة من نوعها مع مختلف التوجهات الجنسية المختلفة أمر غاية في الأهمية. ولذا، لا بدّ من بذل كل الجهود لضمان توفر خدمات الصحة النفسية، وتأمينها بتكلفة مقبولة ومن دون أي تمييز. ويمكن للمنصات الإلكترونية، وفرق الدعم والخطوط الهاتفية المساعدة أن تؤدي دوراً أساسياً في الوصول إلى الأفراد الذين قد يواجهون عقبات في الوصول إلى العلاج التقليدي بأنفسهم.
تترابط الهوية والصحة النفسية ارتباطاً وثيقاً. كما أن تقبّل الذات، بما في ذلك التوجه الجنسي، مسألة أساسية للتنعم بنتائج إيجابية على صعيد الصحة النفسية. ومن خلال مواجهة الاجحاف المجتمعي، وتعزيز المجتمعات المدمجة، وتأمين أنظمة الدعم، يمكننا أن نخلق بيئة ترعى حاجات الأفراد، بغض النظر عن توجههم الجنسي. فلنحتفل بتنوعنا ولنعمل على بناء مستقبل مزدهر على الناحية الفكرية، والعاطفية والروحية.