بحسب دراسة حديثة أجرتها مؤسسة غالوب للدراسات، عانى الموظفون من ارتفاع في مستوى التوتر وصل إلى٤٣% في العام ٢٠٢٠ بسبب إغلاق الكثير من الحدود، وتسريح عدد كبير من الموظفين وحالة عدم الاستقرار التي شهدتها أماكن العمل إجمالاً. وبالتزامن مع التغييرات التي ترافقت مع العصر الرقمي، أضعفت جائحة كورونا أماكن العمل حول العالم ودفعت بالقادة لإعادة النظر في التزام الموظفين وإعادة هيكلته. ومن هنا، يسعى الموظفون والمدراء إلى مواجهة هذه الظاهرة، وذلك بغية تجنب “الاحتراق الوظيفي” في العمل وانعدام الارتباط.
وفيما نتجه نحو العام ٢٠٢٣، من الضروري أن ننظر إلى الماضي، ونقيم مجرياته ونخطط للعام التجاري المقبل. أما بالنسبة إلى موظفي القرن الواحد والعشرين، فالتركيز والتنظيم هي مهارة مرغوب بها. واليوم، وبفضل انتشار بيئة العمل الافتراضية وبيئة العمل التي تجمع ما بين الحضور الفعلي والحضور الافتراضي، بات من الأصعب الفصل ما بين الحياة العملية والشخصية، ومنع المشاكل الشخصية من التداخل مع الحياة العملية. وقد أفادت دراسة أجرتها مؤسسة عائلة كايزر على الأميركيين بأن ٤٠% من السكان يشعرون بأن الجائحة قد أثرت على صحتهم الفكرية بشكل سيء. وبالرغم من تفاوت تأثير الجائحة على بيئات العمل من بلد إلى آخر، فمن الواضح أن اليقظة الذهنية باتت مفقودة لدى الموظفين في أماكن عملهم.
أسس اليقظة الذهنية
طيلة مئات السنين، طبّق الأفراد والمجموعات اليقظة الذهنية ضمن أطر دينية أو روحانية. وتعود أشهر أصول تعاليم اليقظة الذهنية إلى البوذية والهندوسية. فالتاريخ الهندي مرتبط بشكل كبير باليقظة الذهنية غبر أقدس النصوص الهندية (باغفاد جيتا) التي تتناول موضوع اليوغا والتأمل الخاصة بديانة الفيدا. فهذه التقنية تعود إلى تعاليم الفيدا الهندية القديمة التي تعدّ أساس تعاليم اليوغا والأيورفيدا. ومن جهة أخرى، ترتبط الهندوسية ارتباطاً وثيقاً باليقظة الذهنية، علماً بأن تلك الأخيرة تشكل الخطوة الأول باتجاه “الاستنارة”.
ومع الوقت، بات معلّمو الغرب الحديثين يطبقون التعاليم الشرقية الخاصة باليقظة الذهنية في بيئات جديدة خارج الإطار الروحي. وفي سبعينيات القرن الفائت، أسّس البروفيسور الأميركي جون كابات زين، برنامج تحكّم بالتوتر أطلق عليه تسمية “تقليل الضغط القائم على العقلانية”، وهو برنامج يتمحور حول العقلانية أو اليقظة الذهنية. توجّه البرنامج بداية للأشخاص الذين يعانون من أمراض جسدية أو نفسية إلا أنّ نطاقه اتسع ليشمل مقاربات مختلفة تهدف إلى الحدّ من التوتر. استند هذا البرنامج، الذي يمتدّ على ثمانية أسابيع، على معتقدات شرقية تروّج لها البوذية والعلم الغربي. وقد شكّل هذا البرنامج أساساً أو انطلاقة لسواه من البرامج العلاجية “كالعلاج المعرفي القائم على اليقظة الذهنية” والمصمم لمعالجة المرضى الذين يعانون من اضطراب اكتئابي شديد.
اعتماد اليقظة الذهنية في أماكن العمل العصرية
وفيما بدأت إدارة المؤسسات والشركات تواجه تحديات جديدة كإنهاك الموظفين أو ما يعرف بالاحتراق الوظيفي وضعف الأداء، توجّهت أنظار أرباب العمل للبحث عن حلول في قطاع الصحة والعافية. واليوم، بات التحكّم بمستويات التوتر في أماكن العمل أولوية لتأمين محيط عمل مثمر. في العام ١٩٧٠، ابتكر عالم نفس أميركي-ألماني عبارة الاحتراق الوظيفي أو الإنهاك الوظيفي وعرّفها على الشكل التالي: “انطفاء الحافز أو الدافع، ولاسيما حين يفشل تفاني الشخص حيال قضية معينة أو علاقة في تحقيق النتائج المرجوّة”. وعقب بحث أجرته منظمة الصحة النفسية الأميركية، أكّد ٧٦% من المشاركين في البحث بأن التوتر في مكان العمل أودى بهم إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي. وقد صنّفت منظمة الصحة العالمية حالة الاحتراق الوظيفي بظهور هذه العوارض:
- نضوب الطاقة
- تشتت فكري حادّ بعيداً عن الوظيفة
انخفاض الفعالية المهنية
وبغية خفض مستويات الاحتراق الوظيفي وزيادة الفعالية في العمل، بات أرباب العمل ينفّذون عدداً من مقاربات الصحة النفسية ويقدمون لموظفيهم موارد صحة فكرية. إلا أن هذه الطرق لا تقدّم دوماً النتائج المرجوّة ما لم يتمّ تنفيذها بالشكل الملائم. وفي بعض الحالات، يمكن للممارسات الإدارية الضعيفة أن تهدّد نجاح أي دعم مقدّم وتزيد من حالات الاحتراق الوظيفي. فحين يشعر الموظفون بأن أرباب العمل لا يتعاطفون معهم بقدر ما يرغبون، فهم يترددون في التواصل معهم والتحدث عن أي مشكل نفسية يعانون منها أو صعوبات في العمل يواجههونها.
فخلق بيئة عمل ملائمة هو مهمة متطلبة للغاية إلا أنها أكثر من ضرورية للموظفين في هذا العصر الرقمي الذي نعيشه. واليوم، باتت برامج العمل تستهدف الصحة النفسية والجسدية في العمل عبر تقديم ممارسات مخصصة لليقظة الذهنية وتقنيات تأمّل.
ما هي الخطوات التي يمكن لأرباب العمل القيام بها لتحسين عافية موظفيهم؟
- تأمين قنوات تواصل ملائمة لأعضاء الفريق.
- التشاور مع خبراء في الصحة النفسية والفكرية لإجراء تقييم فكري.
- إقامة المنتديات، الدورات التدريبية، وورش العمل التي تعالج موضوع مخاوف الموظفين، وتسلط الضوء على الصحة النفسية، وإدارة التوتر واليقظة الذهنية.
- تزويد طاقم الإدارة بالمعرفة اللازمة والمهارات التي تمكّنهم من دعم الموظفين بطريقة ملائمة.