ضعوا أنفسكم على سلّم أولوياتكم!

بقلم فرانكي

في يومنا هذا، بات نمط الحياة السريع الذي نعيشه مرادفاً للتوتر. التوتّر، هذا الداء الذي يعدّ العامل الأول المسبّب للاختلالات العاطفية والجسدية، والذي تبيّن علمياً بأنه مرتبط بعدد كبير من الأمراض، بما في ذلك السرطان. أدّى نمط الحياة المتغيّر الذي نعيشه إلى تخلّي الكثيرين عن شيء أساسي، وهو الرابط الذي يجمعنا بالوتيرة الطبيعية للحياة والطبيعة، هذه الوتيرة التي لا تزال الحيوانات والنباتات تعيش وفقها. فبالنسبة إلى عدد كبير منّا، استُبدل هذا الرابط برابط بات يجمعنا بالشاشات، ووسائط التواصل الاجتماعي والأدوية.

بصفتي معالج ممارس للريكي، أشهد على التوتر الذي يعاني منه عدد كبير من العملاء وعدم ارتباطهم بالطبيعة، فأقف مشدوهاً متسائلاً عن السبب الذي يدفع هذا العدد الكبير من الناس إلى الانفصال عن ذواتهم الطبيعية. نحن نتحلّى بالقدرة على التفكير، فلِم لا نتحمّل مسؤولية ذواتنا ونسعى لإيجاد الوقت والمكان اللازمين لنختبر الصحة الجسدية والنفسية ونحيا بشكل متوازن؟ فهذه الخطوة ليست بالخطوة الأنانية بل هي أساسية وذات أهمية قصوى، لنفسنا وللناس الذين نهتم لأمرهم. فكيف عسانا نقف فعلاً بجانبهم إن لم نكن بحالة جيدة وكانت أفكارنا مشتتة بسبب العوامل التي تسبب لنا التوتر أو بسبب عجزنا الناجم عن مرضنا؟

منذ فترة ليست ببعيدة، كنت أتناقش مع أحد عملائي، وعقب انتهاء الجلسة، رحنا تناقش حول طرق يستطيع المرء من خلالها الحدّ من سرعة وتيرة حياته اليومية بهدف الحدّ من التوتر الذي يعيشه. وبالطبع، ألقى عليّ الخطاب المعهود، وتحدث عن عمله، وأولاده، والوضع الاقتصادي في البلد، والتلوث، وسواها من الأمور التي نعيشها في لبنان والتي تجعل الحياة من دون توتر مستحيلة. وفي إطار الحديث، خطر ببالي سؤال، فقلت: “هل انتهيت من هذا الكلام الفارغ؟” هذه مجرد أعذار نعتمدها في يومنا هذا لنشرح الأسباب التي تدفعنا لمنح الأولوية لكل شيء باستثناء أنفسنا، أعذار نميل أحياناً إلى تصديقها.

لا أقصد بكلامي هذا أن أقول بأن الحياة خالية من التحديات، والمسؤوليات والالتزامات وبأنه ما من مسائل وطنية وإقليمية هامة. بل ما أحاول قوله هو أن السبيل الأمثل والأصحّ لتخطي هذه الخبرات هو أن يكون المرء متوازناً، هادئاً، قادراً على التركيز، ويعيش بتناغم مع وتيرة الحياة الطبيعية ومع الطبيعة. نحن قادرون على القيام بذلك، عبر وضع أنفسنا على سلّم أولوياتنا عوضًا عن إبقاء أنفسنا في أسفل الهرم، أو بعد عدد من المهام كإيصال الأولاد واصطحابهم، شراء حاجيات المنزل، تناول العشاء مع الأصدقاء، إلخ.

قد نظنّ بأن ذلك العمل يستلزم منّا الكثير من الجهد، فنقول: “لن أتمكّن من القيام بذلك”، “لا أستطيع أن آخذ إجازة من العمل”، “لا أملك المال”. إنها مجرّد أعذار! فالأمر كلّه مرتبط بمنح الأولوية لأنفسنا.

وفّروا المال من سهرة واحدة واستثمروا في صحتكم الجسدية والنفسية. لقد قررت واحدة من عميلاتي القيام بذلك بشكل أسبوعي وتوفير المال الذي تنفقه على الطعام والشراب واستخدامه للخضوع لعلاج ريكي، وجلسات تدليك والاستفادة من جلسات وخز بالإبر.

إن كنتم لا تحظون باستراحة غداء في العمل، فاستفيدوا من الاستراحة التي تأخذونها للذهاب إلى الحمام، واجلسوا بهدوء واسترخاء، أغمضوا عينيكم وتنفسوا بشكل طبيعي لمدة خمس دقائق، مرتين في اليوم. يمكن ممارسة هذا التمرين السهل والمجاني في أي ركن هادىء، ومن شأنه مساعدتكم على التخلص من التوتر والحفاظ على التركيز. وبادروا أيضاً إلى إجراء مسح فكري لجسمكم وراقبوا شعوركم.

فإعادة التواصل مع الطبيعة أمر غير مكلف! إجلسوا في مكان ما بالقرب من البحر، وراقبوا الأمواج والطيور، تنشقوا رائحة البحر واشعروا بالنسيم. تأملوا فقط. ففي لحظات السكون هذه، تحدث أمور مدهشة: فقد تراودكم أفكار عبقرية، وتتخلصون من التوتر، وتكسبون راحة البال.

يمكنكم أيضاً التوجه نحو الجبل، ومعانقة شجرة لمدة خمس دقائق (لا تضحكوا! فقد أثبت اليابانيون علمياً بأن معانقة الشجرة مفيد جداً للصحة).

أو يمكنكم، وبكل بساطة، الذهاب في نزهة سيراً على الأقدام!

إنها مجرد أمثلة بسيطة على أعمال من شأنها مساعدتنا على إعادة التواصل مع أنفسنا. جرّبوها! ومن ثم، بادروا إلى اكتشاف أمور أخرى. إسألوا أصدقاءكم، ومقدمي الرعاية الصحية، وابحثوا عن مقالات وكتب حول مواضيع مرتبطة بالعناية بالذات، وعيش اللحظة، أو تحسين صحتكم. فبوجود الإنترنت، لم يعد هناك من أعذار، ولكن من فضلكم، لا تكثروا من الاتصال بالانترنت.

وختاماً، أشجّعكم، وابتداء من اليوم، أن تسألوا أنفسكم بشكل دوري: “هل اكتفيت من ابتكار الأعذار؟” وأن تركزوا على الخطوة الصغيرة التي ستقومون بها على طريق الصحة الجسدية والنفسية. ومن هنا، أحثكم على أن تضعوا أنفسكم على سلّم أولوياتكم، فهذه الطريقة الأمثل والأوحد لتحقيق النتائج الكبرى التي ستقودكم إليها هذه الخطوات الصغيرة.

هل تمنحون الأولوية لذواتكم؟ ما هي الأساليب العملية والمُجدية التي تعتمدونها؟ يرجى مشاركتنا آرائكم في خانة التعليقات أدناه.

ربما يعجبك أيضا