في العام ٢٠٠٧، اكتشف علماء في جامعة أوكسفورد بأن عدد الخلايا العصبية لدى المواليد الجدد يفوق بنحو ٤١% عدد هذه الخلايا لدى الأشخاص البالغين. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى طرح سؤال غاية في الأهمية: لِم يتمتع البالغون بمهارات أكثر وبمعرفة أشمل إن كان عدد خلاياهم العصبية أقل من الخلايا العصبية التي يمتلكها الرضع؟
والجواب على هذا السؤال مرتبط في التشذيب العصبي. فالوصلات العصبية هي روابط ما بين الخلايا العصبية. وفيما نتقدّم في السنّ، تستغني أدمغتنا عن الروابط المستخدمة بشكل أقلّ، وتعزّز الروابط المستخدمة بكثرة. فعلى سبيل المثال، إنّ ممارسة الرسم بشكل دوري على مرّ السنين يعزّز المسارات العصبية المرتبطة بهذه المهارة، ما يجعلها أكثر فعالية. وبشكل معاكس، تضعف هذه الروابط ما لم يتمّ التدرب عليها، وبالتالي، يتخلص الدماغ من هذه المهارات ليطوّر مهارات أخرى عوضاً عنها.
ومن هنا، نستطيع أن ندرك، لِم يمتلك البالغون شبكات عصبية أكثر فعالية تدعم مهارات محددة، بالرغم من امتلاكهم عدداً أقلّ من الخلايا العصبية.
تشذيب التشابكات العصبية وتكوّن العادات في كتاب العادات الذرية (Atomic Habits)، يتوسع الكاتب جايمس كلير، في شرح الأسباب التي تجعل تشذيب التشابكات العصبية مسألة أساسية لتطوير عادات جديدة. فبشكل يومي، نحن ننجز عدداً كبيراً من العادات بشكل تلقائي، ومن دون أي جهد، كغسل أسناننا، وتحضير الفطور، أو تصفّح الهاتف المحمول. وكلّما انخرطنا في نشاط معيّن، كلّما أصبحت هذه الروابط أقوى وأكثر فعالية. والنقطة الرئيسية تقتضي الاستفادة من هذه العادات لبناء عادات جديدة عبر اعتماد تقنية يطلق عليها تسمية تكديس العادات.
ما هو مفهوم تكديس العادات؟ يقتضي مفهوم تكديس العادات ربط عادة جديدة بعادة قديمة، ما يسهّل عملية تبني السلوك الجديد. فعوضاً عن تحديد وقت ومكان معيّنين لممارسة عادة جديدة، نقوم بربط العادة الجديدة بعادة قديمة نعتمدها. وبهذه الطريقة، تشكّل العادة القديمة إشارة بدء ونقطة انطلاق قسرية للعادة الجديدة.
صيغة تكديس العادات تقتضي صيغة تكديس العادات اعتمادها على الشكل التالي: قبل/بعد (العادة الحالية)، سوف أعتمد (العادة الجديدة).
إليكم بضعة أمثلة على ذلك: – قبل أن أشغّل السيارة، سآخذ ثلاثة أنفاس عميقة. – قبل أن أشغّل المنبّه هذه الليلة، سأقرأ فصلاً كاملاً من الكتاب. – بعد أن أودِع أولادي في السرير، سأرتّب غرفة الجلوس.
توسيع نطاق تكديس العادات بعد أن تتمكنوا من البنية الأساسية لعملية تكديس العادات، يمكنكم ابتكار سلسلة أكبر من العادات عبر ربط عدد من العادات بعضها ببعض. فهذه الاستراتيجية تسيطر على زخم الانتقال من سلوك معيّن إلى السلوك التالي. – بعد العشاء، سأعدّ غدائي لليوم التالي. – بعد أن أعدّ غدائي لليوم التالي، سأحضّر الملابس التي سأرتديها صباحاً. – بعد أن أحضّر ملابسي للغد، سأضع قائمة بالمهام التي عليّ القيام بها في اليوم التالي. يمكنكم أيضاً أن تدمجوا سلوكيات جديدة ضمن روتينكم القائم. فعلى سبيل المثال، إن كنتم تشربون القهوة وتطالعون الأخبار صباح كل يوم، يمكنكم أن تضيفوا إلى هذا الروتين جلسة تمطٍّ سريعة تقومون بها قبل البدء بمطالعة الأخبار.
إيجاد المحفّزات على العادات لكي تنفّذوا عملية تكديس العادات بشكل فعّال، عليكم أن تعتمدوا إشارة بدء محدّدة وفورية. فالمحفّزات الغامضة قد تؤدي إلى تباين وتعارض في الأمور. فعلى سبيل المثال، عوضاً عن أن تقولوا: “حين أملك وقت فراغ، سأقوم بعشرة تمارين ضغط”، كونوا أكثر تحديداً، وقولوا: “بعد أن أطفئ جهاز الكمبيوتر، سأقوم بعشرة تمارين ضغط بالقرب من طاولة مكتبي”.
بداية، يجب تحديد المحفّزات المحتملة عبر ذكر عادتكم الحالية وأحداثكم اليومية، مثل: – النهوض من السرير. – تناول كوب الماء الأول. – تفقّد الرسائل الإلكترونية. – إخراج الكلب في نزهة.
إنّ تكديس العادات هي استراتيجية فعّالة لبناء عادات جديدة عبر السيطرة على الروابط العصبية الراسخة أساساً في دماغنا. فربط سلوكيات جديدة بالعادات القائمة يخلق محفّزاً طبيعياً وفعالاً يعزّز من احتمال الحفاظ على العادة الجديدة. وفيما تتمكّنون من هذه المقاربة، يمكنكم أن تعتمدوا سلسلة أكثر تعقيداً من العادات، فتوجّهون سلوككم وتعزّزون روتينكم اليومي.