إقطوا زهرة أقحوانة، وأزيلوا أوراقها، واحدة تلو الأخرى، وأنتم تقولون:
يحبني لايحبني يحبني لا يحبني
……………………. إلى أن تزيلوا كل الأوراق.
ما بدأ كتعبير رومنسي عن الحبّ في الشعر الحديث تحوّل إلى ميل ثقافي للمزاح وإقامة الروابط. وأعادت الفلسفة السائدة في القرن التاسع عشر ابتكار مفهوم الحبّ وزاد التركيز على طيف الحبّ بشكل أكبر في بداية أوروبا الحديثة. اليوم، تظهر مقاربة المجتمع للرومنسية عبر الأفلام، الكتب، المجلات، وثقافة البوب. وبالرغم من أن الثقافة المرحبة بهذه العواطف البشرية والخبرات آسرة، إلا أنها تجذب أيضاً رغبات بعيدة المنال. فنحن نبدأ بالسعي لإقامة علاقة استناداً إلى ما نراه في الأفلام أو ما كتب في المسلسلات التي صُمّمت لتجذبنا بسيناريو مثالي غير واقعي. فهذه الرسالة المتمحورة حول المفهوم دفعتنا إلى خلق مسيرات لا يمكن بلوغها، ما أدى إلى شعورنا بانعدام الرضى عند ارتطامنا بالواقع. فالواقع بعيد جداً عما تظهره الأفلام التجارية، ومن هنا، فإن التوتر العاطفي من شأنه أن يؤدي إلى نتائج معكوسة ما يجعلنا حتماً نخاف ونرتعب.
هناك بعض الأشخاص الذين يرتعبون من مجرد التفكير في الوقوع في الحبّ. وتعرف هذه الظاهرة باسم “الفيلوفوبيا” أو الخوف من الوقوع في الحبّ. تعود جذور هذه الكلمة إلى اللغة اليونانية وهي مشتقة من كلمتين “فيلوس” و”فوبوس”، أي الحبّ والخوف. وتعرّف حالات الهلع أو الخوف على أنها اضطرابات نفسية تتطور لدى الأفراد جرّاء صدمات مرت بحياتهم، أو اضطراب كرب يلي صدمة تعرضوا لها، أو عامل وراثي. أما بالنسبة إلى الأفراد الذين يعانون من “الفيلوفوبيا”، فغالباً ما يكون ذلك مرتبطاً بخبرات سلبية مستقاة من الطفولة، ومن علاقات فاشلة، ومن الخوف من أن يتم التخلّي عنهم، ناهيك عن اضطراب المشاركة الاجتماعية غير المقيّد. ويعرّف هذا الاضطراب على أنه شكل من أشكال ارتباط التعلّق، يمكن أن نشهده لدى الأطفال الذين يعانون من نقص عاطفي، ونقص في الحبّ والرعاية والاهتمام. وغالباً ما يتواصل هؤلاء الأشخاص مع أشخاص لا يعرفونهم أكثر مما يتواصلون مع أشخاص يحبونهم.
العوارض والإشارات
إن الفيلوفوبيا هو خوف مفرط ومسيء من الوقوع في الحب، يتخطى حدود التصوّر الطبيعي. وتكون حالة الخوف شديدة للغاية بحيث أنها تقيّد الشخص الذي يعاني منها وتؤثر على حياته اليومية. وتختلف العوارض من شخص إلى آخر. ومن أبرز الاستجابات العاطفية والجسدية الرائجة، نذكر الدوار والغثيان، تسارع دقات القلب وانقطاع التنفس، الرجفة وجفاف الفم، تجنب التواصل والذعر.
غالباً ما يظهر الأشخاص الذين يعانون من الفيلوفوبيا الإشارات التالية:
– تجنّب كلّ أنواع العلاقات: رفض كل المساعي العاطفية وإبعاد الذات عن كل الأوضاع الرومنسية. – تدمير ذاتي غير واعٍ: الميل إلى تعريض العلاقة للخطر عبر التصرف بغيرة مفرطة أو بتسلط مفرط. – التمسك بالماضي: العيش ضمن حلقة مفرغة، والتفكير بشكل متكرر ودائم بالعلاقات السابقة الفاشلة. – مواجهة صعوبة في الانفتاح على الآخرين: الخوف من خيبات الأمل العاطفية والتصرف ببرودة حيال الحبيب. – مواجهة صعوبة في الوثوق بالناس: إيجاد صعوبة في الإيمان بأن الشريك لن يخونهم أو يتخلى عنهم في مرحلة من المراحل. – الاهتمام بالعلاقة متمحور حول الناحية الجسدية منها فحسب: الاستمتاع بالعلاقة الجنسية مع الشريك، والشعور بالعجز والتقيّد لمجرد التفكير بالارتباط.
تجدر الإشارة إلى أن تشخيص الفيلوفوبيا ليس رسمياً بعد لأن هذا الاضطراب لم يدرج بعد ضمن دليل الجمعية الأميركية لعلم النفس. وبالرغم من ذلك، وفي الحالات التي تصبح فيها الأمور معقدة، يسعى الأفراد للحصول على مساعدة من أخصائي نفسي. أما إذا بقيت الفيلوفوبيا من دون علاج، فقد تؤدي إلى الانعزال الاجتماعي، والاكتئاب، والإدمان على الكحول والمخدرات، والميول الانتحارية.
وبحسب مقال نشرته مجلة Healthline حول الفيلوفبيا وكيفية معالجة الخوف الشديد من الوقوع في الحب، ورد بأنه “من الضروري معالجة مصدر الخوف وتحديد الأذى”. أما بالنسبة إلى معالجة الأشخاص الذين يعانون من الفيلوفوبيا، فتختلف الخيارات بحسب حدّة الحالة. إلا أن التدخّل غالباً ما يتضمن: العلاج، الأدوية، تغييرات في نمط الحياة أو مزيجاً من هذه العلاجات. ويمكن للأفراد الذين يعانون من الفيلوفوبيا أن يستفيدوا من العلاج، ولاسيما العلاج المعرفي السلوكي. فذلك العلاج يتضمن تحديد الأفكار، والمعتقدات وردات الفعل السلبية التي تشكل أساس حالة الهلع الشديد أو الفوبيا، وتغييرها. أما عند الاعتماد على الأدوية، فيمكن للأطباء أن يصفوا مضادات اكتئاب أو مضادات قلق لمساعدة المريض على معالجة العوارض التي يعاني منها، وذلك بالتوازي مع علاج موجّه. وأخيراً، فإن إعادة النظر في نمط الحياة المتبع من شأنه أن يؤثر إيجاباً على المرء. فممارسة التمارين الرياضية، واتباع حمية غذائية صحية وتطبيق أساليب اليقظة الذهنية ودمجها في الروتين اليومي، وتعزيز نمط الحياة أداة هامة للعناية بالصحة النفسية والجسدية.
فالإنسان بطبعه يميل إلى التعبير عن الذات والحماية، ولاسيما على صعيد عواطفه. فالرغبة بحماية أنفسنا من الألم أمر طبيعي. إلا أنه، حين يبدأ الخوف من الحبّ بالاستحواذ على الحياة والتأثير على الرفاهية الجسدية والنفسية أو يعيق السلوك اليومي، فتصبح المسألة بحاجة إلى حلّ. ولمن يعرف شخصاً يعاني من الفيلوفوبيا، فننصحهم بأن يقفوا إلى جانبهم إلى أقصى الحدود. وبالرغم من أنهم غير مضطرين لفهم المشكلة التي يعانون منها، إلا أنهم تستطيعون الاطلاع على هذا الموضوع والسعي إلى تقبّله.
اتخاذ إجراء
يسهل على الأشخاص الذين يعانون من الفيلوفوبيا بأن يشعروا بأنهم وحيدين وغير محبوبين، لذا، فإن امتلاك نظام دعم قوي بجانبهم أمر غاية في الأهمية لبناء محيط محبّ.
فلكي يعتني المرء بقلبه، عليه أن يبدأ بالعناية بفكره، عبر:
– تقبل الماضي والألم الذي اختبره – الإدراك بأن الحل الأمثل هو المضي قدماً – طلب المساعدة المهنية، والحصول على علاجات كالعلاج المعرفي السلوكي وإزالة التحسس اللذين يعتبران من الأدوات الفعالة التي تسهم في تخطي هذا الخوف.
“صحيح أنني لا أتخذ دوماً أفضل الخيارات، إلا أنني اليوم سأختار الرأفة بدلاً من القسوة، والتعاطف بدلاً من الحقد، والحبّ بدلاً من الخوف”– ل.ج. فانييه