العلاقات الاجتماعية السليمة دليلنا نحو الفكر السليم والجسم السليم

بقلم فريق صحة والناس

إن بناء العلاقات وتعزيزها ضروري لصحتنا الجسدية والنفسية. وقد أثبتت الأدلة القاطعة بأن العلاقات المتينة تساعدنا على أن نحيا حياة طويلة بصحة جيدة وسعادة. في حين أن المعاناة من علاقات سيئة من شأنه زيادة احتمال معاناتنا من الاكتئاب وقد يضعف جهاز مناعتنا ويؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وسواه من المشاكل الأخرى.

نحن لا نملك بالفطرة القدرة على تطوير وبناء علاقات جيدة مع الآخرين، فكيف نستطيع يا تُرى أن نطوّر علاقة اجتماعية صحية وإيجابية، ونجعلها مستدامة؟ كيف نستطيع أن نضمن بأن تتضمّن حياتنا أشخاصاً نثق بهم ونشكي لهم أمرنا، أشخاصاً يستطيعون تقديم النّصح لنا ودعمنا، أشخاصاً مستعدّون لأن يرشدوننا وينيروا دربنا؟

سعياً منّا للإجابة على هذه الأسئلة، طلبنا النُّصح من أخصائي! ووافق أخصائي العلاج النفسي والمستشار فادي الحلبي على أن يُجري مقابلة مع المتدرّجة في مكتبنا تالار بوغوصيان. فادي أخصائي متخصّص في الزواج والعلاقات الإنسانية، وهو نجم برنامج تلفزيوني، وضيف دائم على عدد من محطات التلفزة، وأخصائي له خبرة كبيرة في مجال العلاقات الإنسانية والتطوير الشخصي.

تالار: لِم بناء العلاقات الهادفة والقوية والحفاظ عليها أمر هامٌ بالنسبة لنا؟

فادي: تحدّد نوعية صحتنا الجسدية والنفسية بنوعية العلاقات التي نبنيها. تذكري هذه القاعدة الذهبية دوماً.

إنّ دماغنا هو بطبيعته، ومن حيث تكوينه، دماغ اجتماعي لا بيولوجي فحسب. في حياتنا اليومية، تحدّد علاقاتنا مع الآخرين ونوعية هذه العلاقات مستوى سعادتنا الداخلية وقدرتنا على بذل أقصى طاقاتنا.

لذا، ولكي نحيا حياة صحية، لا بدّ وأن نؤسّس لروابط قوية وهادفة مع الآخرين، سواء أكانت طبيعة هذه الروابط شخصية، حميمية، اجتماعية أو مهنية.

تالار: ما هي أبرز المهارات التي يمكن للمرء أن يتعلّمها أو يطوّرها بغية بناء علاقات قوية والحفاظ عليها؟

فادي: لا نكتسب، وبشكل عفوي، القدرة على بناء علاقات سليمة.

بداية، لا بدّ وأن نبني علاقات سليمة مع أنفسنا، أي لا بدّ وأن نعي حاجاتنا العلائقية، ونقيّم نقاط قوّتنا وحدودنا، ونتعلّم كيف نتحكّم بعواطفنا.

بعدها، لا بدّ وأن نطوّر مهارات الإصغاء. إذ علينا أن نوجّه كل اهتمامنا باتجاه الشخص الذي نتحدث إليه، ونحافظ على فكر منفتح عند الإصغاء من دون أن نحكم على المتحدّث أو ننتقد ما يقول، وأن نقرّ بأننا ندرك أفكار المتحدّث ومشاعره ونفهمها عبر إعادة صياغة كلامه.

كما أنّ السعي لأن ندرك مشاعرنا ومشاعر الشخص الآخر، واهتماماته وقيمه يقوّي ذكاءنا العلائقي، ما ينعكس إيجاباً على جودة علاقتنا به.

وبالإضافة إلى ما سبق، من الضروري أن نتعلم كيف نحلّ النزاع بهدف إرضاء الطرفين، وهي مهارة تساعدنا على تقوية العلاقات الإيجابية.  

تالار: كيف نستطيع بناء العلاقات مع أشخاص مختلفين، أي بطباع مختلفة والمضيّ قدماً فيها؟ وأقصد هنا على سبيل المثال، أشخاص علينا أن نعمل معهم، إلا أننا لا نصادقهم في الحالات المخالفة لذلك؟

فادي: علينا أن نعترف بأننا سنصادف في حياتنا أشخاصاً بطباع وشخصيات مختلفة.

وانطلاقاً من هذه الفكرة، علينا أن نتقبّل حقيقة أخرى مفادها أنه من حقّ كلّ واحد أن يكون مختلفاً وأن ندرك بأن الخيارات، والقرارات، والمشاعر والسلوكيات تعتمد على حاجات أساسية مثل “اليقين”، “الحب والرابط”، و”النّمو”، إلخ. فحين نتمكّن من أن نفهم ونحترم ما يحرّك الآخرين، يسهل علينا تطوير علاقات إيجابية معهم.

كما أن تطوير التعاطف والتسامح وامتلاك القدرة على الطّلب، والتلقّي، والعطاء والرفض مهارات من شأنها مساعدتنا على بناء علاقات سليمة.

تالار: برأيك، ما هو العامل الأساسي الذي يؤثر سلباً على قدرتنا على بناء علاقات إيجابية؟

فادي: في لبنان والمنطقة على وجه الخصوص، نحن نواجه مستويات عالية من التوتّر، غالباً ما ترتبط بالعقبات الاقتصادية، المالية والسياسية، التي من شأنها أن تؤثّر سلباً على نظرتنا للحياة، مستقبلنا والناس في محيطنا. كما وأن الأخبار التي نسمعها، والبيئة التي نحيا فيها والناس الذين يعيشون فيها قادرون على تدمير ثقتنا بنفسنا. ونتيجة لذلك، تسهم هذه العوامل في تعزيز أهمية بناء علاقات قوية مع أشخاص إيجابيين وداعمين.

تالار: برأيك، كيف يؤثر كلّ من الإنترنت، ووسائط التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الهواتف الخلوية على علاقاتنا؟

فادي: بالرغم من أننا عاجزون عن تجنّب العالم الافتراضي، لا بدّ وأن نحرص شديد الحرص على ما نقوله على الانترنت وندرك مدى تأثيره على الآخرين. فبغياب التواصل الشخصي، تفسّر العواطف بشكل منتقص، ويسهل كثيراً فهم الرسائل بشكل خاطىء. كما أننا نميل إلى أن ننشر ما يجعلنا نبدو بمظهر جيد أمام الآخرين، وبالتالي نشارك وصفاً غير واقعي لحياتنا اليومية.

يستحيل بالنسبة لنا أن نكون حاضرين فعلاً وأن نكون مستمعين فاعلين عبر شبكة الانترنت، حتى أننا حين نكون بحضور أشخاص فعلاً، فإننا نلتهي بهواتفنا الخلوية وننظر إلى شاشة هاتفنا عوضاً عن النّظر إلى الشخص الذي يتحدّث إلينا.

ومن هنا، ولكي نتمكّن من بناء علاقات متينة ونحافظ عليها، لا بدّ وأن نطفىء هواتفنا الخلوية بشكل دوري وأن نحاول التركيز على الأشخاص الموجودين حولنا.

تالار: هل من نصائح أو توصيات أخرى توجّهها للأشخاص الذين يودّون التواصل بفعّالية مع أفراد عائلاتهم، وأصدقائهم وزملائهم؟

فادي: ثقوا دوماً بأنّه بوسعكم نشر النجاح والسعادة ما بين أفراد عائلتكم، وأصدقائكم وزملائكم، واسعوا إلى تطوير المهارات الضرورية لذلك أكثر فأكثر. تقبّلوا احتمال تعرّضكم للخسارة من وقت إلى آخر، ولكن ثقوا بأنكم ستتعلّمون من هذه الخسارة. اسعوا لتعزيز صحتكم الجسدية والمالية لتشعروا بالراحة على الأصعدة كافة. فجميعنا قادرون على أن نصبح أفضل ممّا نحن عليه الآن.

واسعوا دوماً للتمكّن من ركائز الحبّ الأربعة: حبّ الذات، الثقة بالذات، احترام الذات وتقدير الذات، فمن شأن ذلك مساعدتكم على بناء أي نوع من العلاقات بسهولة وثقة. فالطاقة التي يتحلّى بها الأشخاص المرتاحون مع ذواتهم والمتمتّعون بنظرة إيجابية حيال ذواتهم تجعلنا نشعر بالراحة لوجودهم وتدفعنا لقضاء الوقت برفقتهم.

وختاماً، أنصحكم بأن تسعوا لتطوير المهارات التي من شأنها مساعدتكم على امتلاك علاقات متينة في حياتكم الشخصية والمهنية على حدّ سواء، وبالتالي التمتّع بصحة جيدة وبراحة نفسية أيضاً.

ربما يعجبك أيضا