القيم المرتبطة بالمال
في حياتنا، ما هو الهدف من وجود المال؟

بقلم داليا زغيب

لِم لا بدّ وأن يكون للمال هدف؟ وهل المال هدف بحدّ ذاته؟ يسعى كل واحد منّا لتحقيق الاستقرار، الثبات، والسعادة في الحياة; وفي سعينا لتحقيق ذلك، يحتل الشأن المالي حيّزاً هاماً. فالمال يسمح لنا، كأفراد، بأن نتمتع بنوع من القوة التي تمهّد الطريق أمامنا لتحقيق جزء كبير من الحاجات الحياتية

أليس من الرائع امتلاك المال؟ ولكن، هل الطريقة التي تنتهجونها في كسب المال وإنفاقه هي ذات معنى ؟

في هذا الإطار، يقول د. فكتور فرانكل، مؤسّس العلاج بالمعنى: “لا تتمحور الحياة حول السعي لإيجاد الرغبة أو امتلاك النفوذ، بل هي بحث عن المعنى” (فكتور فرانكل، بحث المرء عن المعنى، ٢٠٠٦). ومن هنا، لا يجب أن يكون المال غاية بحدّ ذاتها، بل يجب أن تراعى مكانته في الحياة وتحدّد بشكل دقيق

امتلاك المال من دون الشعور بالرضى يؤدي إلى الإحباط المال يجب أن يكون نتيجة ثانوية لعيش المعنى، فكّروا بذلك قليلا!!! كيف سيكون شعوركم إن عملتم في وظيفة لا تحبونها, فقط لكي تجنوا المال؟ ألن يحول ذلك دون تطوّركم وتحقيق ما تسعون فعلاً لتكونوا عليه؟

إلا أن الأمور لن تقف عند هذا الحدّ; فكيانكم كاملاً سيتأثر بهذا الشعور بعدم الاكتفاء، حتى ولو حققتم النجاح المالي، وبالتالي سيكون لذلك تأثيرات بالغة على صحتكم. ومن هنا، فإن جني المال ليس كافياً، بل ما هو مهم وحقيقي, هو كيفية إكتساب المال

فقد تختارون أن تفتتحوا مطعم بيتزا تحت منزلكم وتقديم البيتزا لأبناء القرية الصغيرة التي تعيشون فيها، وقد تختارون أن تكونوا رئيس مجلس إدارة لشركة عالمية. فكّروا بما يعني لكم، عندها فقط تعيشون معنى خاص بكم, يسعدكم ويشعركم بالرضى. واسعوا جاهدين لتحقيق ذلك فكسب المال بشكل هادف أمر ضروري جداً لصحتكم العقلية ورفاهيتكم;هذا ما يستلزم شجاعة من قبلكم و هو الذي سيوصلكم للسعادة الحقيقية

المال من دون معنى, هدف، وغاية يفتقر إلى القيمة المال أمر قيّم وهو أيضاً يخدم قيمة . فكيفية إنفاقكم للمال الذي تجنونه يعطي فكرة عن هويتكم الفعلية. هناك طريقتان اساسيتان مرتبطتان بإنفاق المال; الأولى هي قناة أحادية، تقومون من خلالها بإنفاق المال الذي تجنونه على أنفسكم، لتلبية حاجاتكم الأساسية، من طعام، مسكن، رعاية صحية… وتعدّ هذه القناة ضرورية لرفاهيتكم وسعادتكم، وتجعلكم أكثر ارتياحاً وتركيزاً على أهدافكم وطموحاتكم. فإن اعتبرتم المال الذي تجنونه ملكاً لكم، فأنتم محقون. فقد اكتسبتم هذا المال بعرق جبينكم وتفانيكم وقد استحقيتم ذلك

أما القناة الثانية، فهي قناة متعددة الاتجاهات؛ فلكي يكون للمال قيمة في حياتكم، يجب استثماره أيضاً بشكل صحيح، ليكثر ويؤثر في حياة الآخرين بطرق تتخطى قيمة المال فحسب فإن زرع البذور حيث يمكن للمال الذي تجنونه أن يحدث فرقاً في حياة الآخرين أمر في غاية الأهمية. ويعود لكم قرار اختيار الطريقة التي تشاركون فيها أموالكم مع الآخرين; فقد يكون ذلك عبر تقديم المال مباشرة للشخص أو بشكل غير مباشر عبر تمويل أبحاث، خطة أو قضية… وقد يمتدّ ذلك من إطار عائلتكم، أصدقائكم، جيرانكم وصولاً إلى سكّان المناطق الأخرى، أو البلدان الأخرى، حتى أقاصي الأرض. ومن هنا، فإن القناة المتعددة الاتجاه من شأنها جعل المجتمع سعيداً

أما الالتزام بقناة واحدة فمن شأنه خفض تأثير قوة المال في حياتكم. الاستمتاع بالمال الذي تجنونه يجلب لكم السعادة لقدرتكم على الاستمتاع بما فعلتم وبما حققتم، و”استثمار” جزء من المال الذي تجنونه في الآخرين، سواء أكانوا أشخاصاً أو مشاريع، سيمنحكم بصمة تخلفونها وراءكم، و يجعلكم تعيشون بسمو, وتكونون مؤثرين أيضاً في تحسين مجتمعكم و في رفاهيته.

تتأثر القيم المرتبطة بالمال بعوامل مختلفة أخرى إن الخبرات التي عشتموها في طفولتكم، مدخولكم الحالي، أهدافكم، نمط الحياة الذي تسعون إلى تحقيقه، والتغيير الذي تودّون إحداثه في العالم، هي جميعها عوامل من شأنها التأثير في القيم المرتبطة بالمال. فلهذه القيم أيضاً تأثير على الطريقة التي تنتهجونها لإنفاق المال، على من تنفقون أموالكم، على ماذا تنفقونه، ولماذا تدخرون المال. قد تسعون للحصول على الاستقرار لنفسكم ولعائلتكم، أو قد تسعون لعيش نمط حياة مرضٍ أو السفر، أو تقديم المساهمات أو عيش حياتكم إلى أقصى الحدود

إن التفكير بما سبق من شأنه مساعدتكم على تحديد التعبير الخاص بكم للقيم المرتبطة بالمال دوّنوا على ورقة صغيرة: “إن هدف المال في حياتي هو …”. علّقوا هذه الورقة في مكان ترونه جيداً، سواء أكان على شاشة الكمبيوتر، أو على البراد، أو على مرآة السيارة; احفظوا العبارة, واسعوا للسير وفقاً لمضمونها لكسب المال بشكل هادف تحقيق ما تريدون القيام به بالنسبة إليكم وإلى الآخرين

ترتبط قيمة المال الفعلية وهدفها في حياتكم برفاهيتكم وبرفاهية المجتمع ككل. وذلك من خلال أولاً كسب المال بشكل هادف، وثانياً من خلال استعمال المال عبر قيمته السامية من خلال “الاستثمار” في الذات وفي الآخرين. هذا يؤدي إلى إختبار السعادة الحقيقية ومشاركتها مع الاخرين ، العيش باستقرار وفرح، وهذا له تأثير كبير على مجرى حياة شخص معين أو على مجرى الإنسانية ككل

ربما يعجبك أيضا