مقابلة مع القبطان أماندا هاريسون، المنتصرة على سرطان الثدي

بقلم فريق صحة والناس

الشكر كل الشكر لوزارة الدولة لشؤون التمكين الإقتصادي للنساء والشباب، والوزيرة فيوليت خيرالله صفدي، والسيدة أمل إلياس سليمان اللتين اختارتا مبادرة أنتِ” الأقوى “، لمساعدتنا على تمكين النساء اللواتي يعانين من السرطان، وقد سرّنا كثيراً قضاء بعض الوقت مع القبطان أماندا هاريسون، التي تغلبت على مرض السرطان خلال محطتها الأخيرة في بيروت.

أماندا، التي تخطت عسر القراءة لتصبح قبطان طائرة على خطوط جوية تجارية، تحقق حلمها الطويل الأمد في السفر منفردة إلى داروين، على متن طائرة Havilland Tiger Moth لإلهام النساء ولاسيما اللواتي تخطين سرطان الثدي لتحقيق أشياء هامة في حياتهنّ.

أخبرينا عن مسيرتك مع سرطان الثدي.

أصيبت أمي بسرطان الثدي منذ ١٤ عاماً. في ذلك الوقت، لم نكن نعلم بأن هذا المرض شائع في العائلة لأن جدتي لم تتطرق يوماً للموضوع. في تلك الأيام، لم يكن الحديث عن السرطان متاحاً بشكل علني، وقد كان يشار إليه باسم “ذاك المرض”. إلا أنه، وفي يوم من الأيام، أخبرتنا جدتي بأن خالتي وغيرها من نساء العائلة مصابات بسرطان الثدي. وجعلني ذلك أدرك بأن جينة السرطان موجودة في عائلتنا، ودفعني لأن أخضع باستمرار للفحوصات، وهو العامل الأساسي الذي أسهم في إنقاذي.

في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٧، وجدت كتلة أثناء قيامي بالفحص الذاتي وذهبت للطبيب فوراً للكشف عليها. ولأنني تمكنت من الكشف المبكر، لم يكن السرطان، ذات الدرجة الرابعة، قد انتشر، لذا لم أضطر للخضوع للعلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة. عوضاً عن ذلك، خضعت لعمليتين جراحيتين وقمت بعملية استئصال مزدوجة للثدي، ومن ثم قمت بجراحة ترميمية. استغرقت بضعة أشهر قبل أن أتمكن من العودة لممارسة الطيران.

وبالرغم من أن بعض الأشخاص قد ظنوا بأنني تعافيت بشكل رائع من السرطان، فأنا لا أظن بأنني تخطيته. إذ أعتبر بأن الإنسان لا يتخطى السرطان بل يتغلب عليه.

ما هي النصيحة التي تسدينها لمريضات السرطان؟

أظن بأننا حين ندرك بأننا مصابات بالسرطان، نحاول أن نتحلّى بالقوة لدعم الناس المحيطين بنا. فيما يتعين علينا في الواقع أن نشعر بكل مشاعرنا.

بعد أن انتهيت من إحدى العمليات التي خضعت لها، كان كل جسمي يؤلمني، وكانت أنابيب تصريف الالتهابات تتدلى من جسمي، وشعرت بأن كل ما يجري من حولي سيء للغاية. نظرت إليّ ممرضة رائعة في قسم علاج السرطان، وسألتني عن حالي. فانفجرت بالبكاء وسألتها إن كانت تستطيع إيقاف كل ما يجري معي. وقالت: “الحمد للله على ما حدث”، إذ سُرّت لأنني كنت قد بدأت أطلق العنان لمشاعري.

لذا، اسمحن لأنفسكنّ بأن تستوعبن صدمة التشخيص وتختبرن كل مشاعركن.

في الواقع، لقد خضعت لعلاج نفسي لأتمكن من فهم ما يجري. أخبرت المعالج النفسي بأنني شخص طموح للغاية، فردّ بأن علي الاستمرار بالطموح مع التركيز على الأمور التي أستطيع القيام بها بواقعية. فعلى سبيل المثال، أصبح أحد طموحاتي هو أن أغسل أسناني مرة في اليوم. فمنذ أن خضعت للجراحة المزدوجة لاستئصال الثدي، لم أعد أستطيع القيام بأي عمل، حتى أن غسل أسناني أو تسريح شعري، كان بالنسبة إليّ إنجازاً كبيراً.

وأيضاً، احذرن من أن تصبحن ضحيات. فعند الإصابة بمرض السرطان، يسهل كثيراً بأن يصبح المرء ضحية حتى أن بعض أفراد العائلة أو الأصدقاء سيعاملونك على أنك ضحية. احرصي على أن تحيطي نفسك بأشخاص يقدمون لك الدعم حين تحتاجين إليه ويساعدونك على تحسين نوعية حياتك والتماثل بالشفاء. أحياناً، يتعين عليك أن تكوني حازمة؛ حتى أنني طلبت من بعض الأشخاص أن يتركونني وشأني لأنني كنت بحاجة للتعامل مع هذا الموضوع على طريقتي.

إنها الكثير من التفاصيل الصغيرة، التي تساعدك على المضي قدماً. وقد كان القيام بجلسات علاج نفسي فكرة ممتازة، حتى أنني قمت بجلسات وخز بالإبر، وعلاج فيزيائي وغيرت حميتي الغذائية، إضافة إلى أشياء أخرى. هناك الكثير من التقنيات التي يمكن تجربتها، لذا، ابحثي عن التقنية التي تلائمك واعتمديها.

لِم لجئت إلى تقنية الوخز بالإبر؟

كنت أعاني من الكثير من هبات الحرارة، وقد نصحني أخصائي الأورام الذي كان يتابعني بأن أجرّب الوخز بالإبر. قال لي بأنه ما من دليل علمي يدعم ذلك، ولكن الكثير من السيدات استفدن من هذه التقنية. فجربتها وقد عادت بالنفع عليّ أيضاً.

أخبرتنا أيضاً بأنك خضعت لتدليك التصريف اللمفاوي، حدثينا عن ذلك.

نعم، صحيح خضعت لعدد من جلسات تدليك التصريف اللمفاوي لأنني استأصلت عدداً من الغدد الليمفاوية، ولأنني خضعت لثلاث عمليات جراحية كبرى. فعند المعاناة من السرطان، لا ينتهي العلاج في يوم وضحاه، وتشفين. عليك أن تسألي نفسك: “ما الذي أحتاج للقيام به اليوم؟” إنه صرخة لتغيير نمط الحياة، واعتماد نمط صحي أكثر.

ما هي التغييرات التي قمت بها على حميتك الغذائية؟ وكيف عرفت بأن تناول الطعام بشكل مختلف سيعود عليك بالنفع؟

الفضل هنا أيضاً يعود لطبيب الأورام الذي كان يتابعني، والذي سألني إن كنت أستطيع أن أتبع حمية متوسطية. وكان ذلك سهلاً، فأنا أحب الطعام المتوسطي! وقد ساعدني أيضاً الامتناع عن السكر والكحول. ولكن، لا بدّ وأن أعترف بأنني كنت أتناول قطعة شوكولا من وقت إلى آخر.

اعتمدت أيضاً الصيام، ولاحظت بأن تناول الطعام في الليل يسبب لي هبات حرارة سيئة للغاية، لذا، أعمل اليوم جاهدة لأتبع الساعة البيولوجية، وأسعى لأصوم أقلّه مرة في الأسبوع. لا يسهل دوماً القيام بذلك، ولكنني أشعر بأنني بحال أفضل بسبب ذلك.

ماذا عن تاريخك مع الطيران ولِم قررت القيام بهذه الرحلة؟

كنا نتحدث عن الأسباب التي تسبب إصابتنا بالسرطان، وما إذا كانت مرتبطة بمشاعرنا وبأشياء حصلت معنا في الماضي. في الواقع، توفي والدي بعد تسعة أيام على خضوعي للجراحة الكبرى، وقد كان من ألهمني للطيران.

فقد كان مهندساً ويحبّ بناء نماذج الطائرة التي تحلق بواسطة أجهزة التحكم عن بعد. وفكرت: “لِم لا أتبع خطوات والدي؟” وكنت محظوظة جداً لأنني أخذت درساً في الطيران حين كنت في الرابعة عشرة من عمري. وما إن حلقت بعيداً عن الأرض، اختبرت إحساساً رائعاً بالحرية، وشعرت بأنني حرة مع ذاتي ومع العالم. يصعب عليّ أن أصف هذا الشعور اليوم، ولكنني لا أزال أختبر هذا الإحساس الرائع في كل مرة قدت فيها الطائرة.

حين كنت في الرابعة عشرة من عمري، وبعد أن اختبرت أول رحلة لي، أردت أن أتعلم قيادة الطائرات. وكنت أدخر المال لدروس الطيران. وبالرغم من أنني مصابة بعسر القراءة، شجعني والداي على القراءة، ورحت أقرأ كتباً عن أشخاص مذهلين قاموا برحلات مذهلة في ثلاثينيات القرن الفائت، في بداية عصر الطيران. لقد حلق هؤلاء الأشخاص حول العالم في الطائرات الخشبية الرفيعة، وقد تأثرت كثيراً بذلك.

ولكنهم كانوا جميعاً أسياداً أو سيدات، أشخاص يملكون الكثير والكثير من المال. وبعدها، أتت آيمي جونسون، سيدة لم تلد ضمن عائلة غنية واضطرت للعمل لتحصيل لقمة عيشها، ودفع تكاليف رحلتها، وبعد أن استكملت الرحلة، وعانت مشاكل صحية وماتت أختها انتحاراً، قامت آمي برحلة منفردة من إنكلترا إلى داروين. عبر رحلتها، أظهرت لي آيمي بأن الشغف، والمثابرة والحزم كفيل بجعل أي امرأة عادية تحقّق أموراً مميزة.

وأنا أشعر في عمقي بأنني إنسانة عادية، مقتنعة بأن الحياة خلقت لنحياها. وتعلمت أيضاً حين عرفت بأن أمي مصابة بسرطان الثدي، وشعرت بأنني سأخسرها، بأننا بحاجة لأن نحيا عن حق، وبأن نقوم بما نحبّ، وأن نسعى للاستفادة من ذلك إلى أقصىى حدّ.

وهكذا، ألهمتني آمي جونسون لأقوم بهذه الرحلة وأسافر منفردة إلى داروين. فبدأت أخطط لهذه الرحلة، ومن ثم مرض والدي، واكتشفت بأنني مصابة بالسرطان، ومن ثم توفي والدي بعد أن خضعت لجراحتي الأولى الكبيرة. وبعد أن انتهيت من كل هذه المسائل، فكرت: “بما أنني أملك مقداراً كافياً من المال لأصل إلى استراليا، وبالرغم من أنني لا أعرف ماذا سيحدث حين أصل إلى هناك، فلِم لا أبدأ هذه الرحلة، لِم لا أنطلق في هذه المغامرة؟” وشعرت وكأن الحياة تدفعني لأن أقوم بهذه الخطوة الآن.

وانطلقت في رحلتي منفردة إلى داروين، على خطى آيمي جونسون، على أمل أن أتمكّن من إلهام النساء وتحديداً النساء اللواتي نجين من سرطان الثدي. لم أكن لأجلس اليوم بينكم لو أنني لم أفحص نفسي بشكل دوري، وأنا مندهشة لمعرفتي العدد الهائل للنساء حول العالم اللواتي لا يجرين الفحص الذاتي.

لقد اختبرت رحلة مذهلة حتى اليوم، قابلت فيها أناساً مميزين وتشاركت الخبرات مع نساء رائعات. وكانت زيارتي إلى لبنان مذهلة، وقد التقتيت بأشخاص مضيافين، واستمتعت بالطعام المتوسطي في لبنان أكثر من أي مكان آخر حول العالم.

السرطان شبيه بالطيران، لا تعرف دوماً متى ستصل إلى وجهتك، ولكنك في النهاية ستفعل. ومن هنا، أحثّ كل النساء على الاعتناء بأجسامهنّ وأن يجرين الاختبار الذاتي. إن وجدتن أي كتلة، فهذه ليست نهاية العالم. لقد تمكنت الكثير من النساء من تخطي عقبات كبيرة وحققن إنجازات هائلة في حياتهنّ. ومن هنا، آمل أن تلهم رحلتي هذه النساء، وسأسعد كثيراً إن تمكنت من أن ألهم، ولو سيدة واحدة.

ربما يعجبك أيضا