الإيجابية، هل يمكن أن نكتفي منها؟

بقلم غريس غنوم خليف

تعدّ عقلية الفرد ومواقفه عناصر مهمّة للغاية وضرورية لتحقيق النجاح والسعادة. ومن هنا، يتسارع معظم مدرّبي الحياة الشخصيين والمعالجين والخبراء في مجال التطوير الذاتي إلى مساعدة عملائهم على تطوير ذهنية إيجابية. وبدوري، فقد خضعت لعدد من دورات التدريب الإيجابي واعتمدت كثيرًا عليها، إلا أنني كنت مدركاً تمام الإدراك وجود هبة كامنة خلف الأحداث السلبية التي أعيشها، بغية إيجاد الجانب المشرق أو حتى الشعور بالامتنان حيال الأحداث التي آلمتني. ومن الضروري أن نتذكر أن مشاعرنا قادرة على أن تعمل كالبوصلة، فهي أشبه بنظام تقييم طبيعي لما سبق أن عشناه,. إذ توجّهنا مشاعرنا التفكير في إعادة النظر ببعض المجالات حياتنا. ومن هنا، يعدّ تجنب المشاعر السلبية أشبه بعدم تفقّد ضوء المحرك في السيارة. كما أن غضّ النظر عن هذه المشاعر السلبية يجعلها تتفاقم فتنمو وتظهر في الوقت الخطأ، ما يجعل حياتنا أكثر صعوبة.

وفقًا لعقيدة Vipassana Meditation، التي نشأت منذ ٢٥٠٠ عامًا، علّم بوذا أننا إذا قاومنا المشاعر السلبية، ستتكاثر. وإذا سعينا وراء المشاعر الإيجابية، فستتبدد. إن رغبتنا في التحكم في مشاعرنا توصلنا إلى عكس ما نريد. واعتقد كارل يونج أن ما نقاومه لا يدوم فحسب بل تتسّع رقعته. فالمشاعرتنساب في الجسم كالمياه في النهر. ومقاومتنا للمشاعر السلبية أشبه بإلقاء صخرة في النهر يعيق مجرى المياه، وبذلك نبني سدًا يحول دون انسياب عواطفنا بشكل طبيعي.

لذلك، من المهم جدًّا أن نسمح لأنفسنا بأن نختبر المشاعر السلبية بشكل كامل، فنتعلّم منها، و نبدي ردود الفعل الضرورية، ونعبّر عمّا يجب التعبير عنه، وعندها فقط، يمكننا السماح لهذه المشاعر بأن تتلاشى بشكل طبيعي. فالتعايش مع المشاعر، من دون أي حكم، له تأثير عميق على العقل والجسد والروح.

ييفضّل الكثير من الناس النظر إلى الجانب المشرق من الأشياء، والابتعاد عن المواقف المؤلمة، والتخلّص من المشاعر السلبية. وقد تنجح هذه التقنية ولكن لفترة قصيرة من الزمن. فإن لم نعبّر عن هذه المشاعر أو لم نبحث عن سببها الجذري، فستستمر هذه المشاعر في الظهور للخارج. ولهذا السبب، فنحن كمدربين، علينا أن نحرص على مساعدة زبائننا على ألا يتجهوا بسرعة كبيرة نحو الإيجابية. بل علينا أن نسعى إلى تأمين فسحة آمنة لعملائنا ومساعدتهم على أن يكتشفوا العالم الداكن، الذي لطالما خشيوا منه، عالم المشاعر السلبية المظلم. وفي خضمّ مسيرة العلاج، تتلاشى هذه المشاعر، فيشعر العميل بأنه قد تحرّر، وبات قادراً على المضي قدمًا بسهولة. وهكذا، لا يضطرّ العملاء إلى خوض سباق الماراثون حاملين أحمالاً ثقيلة، أو محاولة التشبّث بكرة الشاطئ والبقاء تحت الماء لفترة طويلة. فالمهمّ يهمّ هو أن يدركوا بأن المعاناة خيار وأن يبادروا إلى تغيير خياراتهم.

وفي هذه المسيرة، فإنّ التأمل والتدريب القائم على اليقظة من شأنه مساعدتكم على اكتشاف ذواتكم أكثر فأكثر.

ومن هنا، أدعوكم إلى تجربة جلسة التأمل اليقظ حيث نجري مسحاً لما يدور في جسمكم وتكتشفونه بشكل أكثر عمقاً. أطلقوا العنان لمشاعركم وتعايشوا مع كل الأحداث التي تمرّون بها من دون أن تحكموا على أنفسكم.

ربما يعجبك أيضا